عاد الباحث التاريخي حسين السلهام ليجدد العهد بنظريته حول انتماء منطقة هجر إلى القطيف لا الأحساء، وذلك خلال استضافته في مكتبة جدل بأم الحمام.
وأوضح السلهام أن رحلة بحثه عن موقع هجر بدأت عام 2003م، بعد اختلافه مع مندوب تليفزيون دبي خلال تصوير عين الكعبة وتقديم نبذة تاريخية عن العين، ليحاول بعدها أن يفك إشكال وتضارب المعلومات التاريخية والمسلمات القائمة على أرض الواقع.
وبيّن أن البحث في كتب التاريخ يوضح أن مسجد جواثا في الخط (القطيف)، وأن سوق المشقر في الزارة، وأن وفد عبد القيس انطلق من القطيف، وأن مدينة هجر تقع على ساحل البحر، وأن الأحساء التي يفترض أن تكون هي هجر تذكر كتب التاريخ أنها كانت بادية يسكنها بنو تميم ولم تكن ضمن البحرين أصلاً.
وقال السلهام: “هنا كانت بداية الانطلاقة وكانت صعبة بالنسبة لي في كيفية مواجهة هذه المسلمات الخاطئة، والتي أصبحت واقعاً معاشاً من خلال باحث له وجهة نظر مختلفة في مقابل مؤرخين سبقونا في كتابة تاريخ هجر كمؤرخ الأحساء العبد القادر وكتابه “تحفة المستفيد”، والملا وكتابه “تاريخ هجر”، بل أكثر من ذلك شارح ديوان ابن المقرب في النسخة الهندية والمطبوع عام 13هـ، كما أن الباحث الجنبي أصدر كتاب “هجر وقصباتها الثلاث” يؤكد ما اتجهوا إليه بل أضاف عليهم وحدد موقع المشقر في أعلى جبل قارة، وهؤلاء جميعاً يشكلون إجماعاً على أن هجر في الأحساء”.
وأضاف أن الصعوبة التي واجهته أيضاً هي ما هو قائم فعلاً وهو مسجد جواثا بالأحساء، مبينًا أن هذا أثر يدعم مقولة إن هجر في الأحساء، كما أن الدكتور علي بن صالح المغنم قام بإصدار كتابه من مجلدين بدراسة مسجد جواثا في الأحساء.
وبالرغم من تلك الصعوبات كانت للسلهام خطوة أولى لتصحيح تلك المسلمات -حسب وصفه-، بإصداره كتاب “ساحل القرامطة”، الذي وضع فيه وجهة نظره حول موقع هجر، ثم إصدار مجموعة من الكتب، حتى قرر إصدار كتاب “تاريخ هجر”.
وعن “كتاب هجر” ذكر أنه أوضح فيه أن قصبات هجر الصفا والمشقر في القطيف، مشيرًا إلى أنه كانت هناك دلائل كثيرة تبيّن موقع حصن المشقر والصفا في القطيف وليس بالأحساء.
وتحدث عن تلك الدلائل، وأولها أنه استبعد أن تكون الأحساء هي هجر لعدة أسباب، منها؛ أن الأحساء قبل القرامطة كانت بادية خارج هجر، ولم تذكر كتب التاريخ أن الأحساء ضمن قرى هجر، كما أن الأحساء كانت تتبع بني تميم وهم الذين عرف عنهم أنهم يسكنون في حذاء هجر.
وأضاف للأسباب، أن صاحب الزنج المعروف بثورة الزنج التي قامت عام 260هـ تقريبًا، انتقل إلى هجر لنشر دعوته فطرده أهالي هجر وهرب إلى أقرب بادية وهي الأحساء بني سعد التي يسكنها بنو تميم، كما أنه خلال حرب القرامطة تذكر كتب التاريخ أن المعتضد العباسي أرسل جيشاً كبيراً إلى هجر فسار عباس الغنوي حتى وصل القطيف، وتساءل لو كانت هجر في الأحساء لماذا توجه للقطيف بدلاً من الأحساء الأقرب في طريقه؟.
وذكر أيضًا أن وزير السلاجقة المعروف (نظام الملك الطوسي) الذي عاش في القرن الخامس الهجري في كتابه “سياسات نامه” قال: “وفي عهد المعتضد أيضاً خرج أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي في البحرين والأحساء”.
وتناول أدلة على أن حصون هجر في القطيف وليس في الأحساء، مفصلًا؛ أن أهم حصون هجر هي المشقر والصفا وبينهما يجري نهر محلم؛ حصن المشقر في قرية الزارة بمدينة العوامية بمنطقة القطيف، مبينًا أنه جاء في كتاب “المعرفة والتاريخ” للفسوي قوله: “قلنا يا رسول الله وما يدريك مالدباء والنقير والمزفت؟ قال أنا لا أدري! أي هجر أعز، قال: قلت المشقر، قال فوالله لقد دخلتها وأخذت أقليدها وقمت على عين الزارة على الحجر من حيث يخرج الماء، قال ثم ابتهل في الدعاء لعبد القيس”.
وتابع: “أيضًا في الحديث عن الحصون نذكر آل الجارود وجوارهم لحصن المشقر؛ فالجارود أحد رؤساء القطيف كما أشار إليه الحموي في رسم القطيف، قال: “لما قدم وفد عبد القيس على النبي قال لسيديها الجون والجارود وخذ يسألهما عن البلاد فقال: يا رسول الله دخلتها، قال نعم دخلت هجر وأخذت أقليدها”، مستشهدًا بعدد من الأدلة الأخرى التي وردت في الكتب التاريخية حول حصن المشقر.
وتكلم عن مسجد جواثا، وقال: “مسجد جواثا في الخط وليس بالأحساء، ومن أبرز الحقائق التي تثبت ذلك: أن مسجد جواثا اكتشف في الأحساء عام 1384هـ خلال مشروع حجز الرمال بالأحساء، هذا ما ورد في كتاب “جواثى ومسجدها” لعلي بن صالح المغنم، وأن أساسات المسجد حسب مجلة آثار المملكة الصادرة من وكالة الآثار والمتاحف، ذكرت أن أرضيات المسجد يمكن تأريخها بعام 273هـ، بينما مسجد جواثى بني في السنة الثامنة أو التاسعة للهجرة تقريبًا، كما أن ياقوت قال في معجمه: “قال ابن الأعرابي جواثا مدينة الخط والمشقر مدينة هجر”، بالإضافة إلى أن نهر محلم يسقي حصن المشقر ويسقي قرية جواثا (وهذا يدل على أن قرية جواثا قريبة من حصن المشقر بالزارة)، كما تخبرنا كتب التاريخ أن أجواثا هو أحد المساجد بعد المدينة الذي لم يرتد أهله، وكان الجارود هو الذي خطب فيهم وأبقاهم في الإسلام كما يقال، وهو أحد زعماء القطيف وليس الأحساء، فيما أن صلاة الجمعة تحتاج موافقة من الولي الشرعي في زمانه وهو النبي صلى الله عليه وآله، وكتب التاريخ لم تنقل لنا سوى موافقة صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن الحارث المحاربي أن له الجمعة من الرامس، وهي أرض قريبة من الزارة مركز حكم القطيف آنذاك، وهنا نتذكر القول المعروف “إن نهر محلم يسقي حصن المشقر ويسقي قرية جواثا، وبالتالي مسجد عبد القيس بجواثا يقع ضمن منطقة الرامس القريبة من حصن المشقر بالزارة، وهذا ما اعتقده والله أعلم”.
وتحدث عن موقع أحساء القرامطة القريبة من القطيف (60 كيلومتراً تقريبًا) قائلًا: “سأوضح لكم أن أحساء القرامطة ليس متعارفاً ومتسالمًا على موقعها بين الجغرافيين وبين مؤرخي الأحساء المتأخرين أيضاً”، متابعًا: “أبو الفداء المتوفى عام 732هـ لا يعرف هل أحساء القرامطة هي أحساء بني سعد، كما يلاحظ أن صاحب كتاب تقويم البلدان (المعروف بأبي الفداء) لم يتعرف بالضبط أي أحساء سكن القرامطة، وقال في رسم الأحساء: الأحساء علم لموضع من بلاد العرب، وهي أحساء بني سعد في هجر وهي دار القرامطة بالبحرين، وقيل أحساء بني سعد غير أحساء القرامطة”.
وأكمل: “مؤرخو الأحساء أنفسهم مختلفون أين تقع هجر وأين تقع أحساء القرامطة، وفي هذا الصدد قال الملا: تقع مدينة هجر بواحة الأحساء على بعد نحو 40 كم من ساحل البحر وعلى بعد ميلين إلى الجنوب من مدينة الأحساء القديمة الواقعة مكان قرية البطالية وما حولها، ورغم أنه من غير الممكن في الوقت الحاضر معرفة موقع مدينة هجر وحدودها بصورة دقيقة، إلا أن من الجائز أن يكون موضعها شمال شرق مدينة الهفوف، وقد سبقت الإشارة في سياق الحديث عن الجهراء إلى أن هجر قد تكون في الموقع المعروف باسم البهيتية بين مدينة المبرز وقرية البطالية، وأما قول الشيخ محمد آل عبد القادر إن موقع هجر يقع في الشمال الغربي عن محلة جواثا وإن موضعها قريب من قرية البطالية فلا يستند على أساس، لأن هذا الموقع هو موضع مدينة الأحساء القديمة، وقد نبّه على ذلك الشيخ حمد الجاسر في المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية، وربما كانت هجر متسعة الأرجاء بحيث تشغل مواضع عدة قرى وحقول قامت على أنقاضها فيما بعد”.
وتناول أقوال الجغرافيين في ذلك الصدد قائلًا: “الأزهري يقول أحساء بني سعد بحذاء هجر: ذكر ابن منظور أن الأزهري وهو عالم من علماء اللغة وقع أسيراً في يد القرامطة، وقال: لقد رأيت بالبادية أحساء كثيرة على هذه الصفة، منها أحساء بني سعد بحذاء هجر وقراها، قال: وهي اليوم دار القرامطة وبها منازلهم”.
وأردف: “وقال أبو الفداء، المتوفى عام 732هـ: والقطيف بلدة بناحية الأحساء وهي على شط بحر فارس ولها مغاص وهي في شرقي الأحساء بشمال على نحو مرحلتين منها”، وأضاف أن الإدريسي (المتوفى سنة 560هـ) قال في كتابه “نزهة المشتاق”: “مرحلتان بين القطيف وأحساء القرامطة، والأحساء مدينة صغيرة، فأما الأحساء فهي مدينة على البحر الفارسي تقابل أوال وهي بلاد القرامطة وهي مدينة حسنة لكنها صغيرة وبها أسواق تقوم بها في تصرفها، وأما مدينة القطيف فإنها مجاورة للبحر وهي في ذاتها كبيرة، وبين القطيف والأحساء مرحلتان”، منوهًا بأن الرحالة المؤرخ ناصر خسرو زار أحساء القرامطة وكتب بالتفصيل معالم هذه المدينة والمسافات التي تربطها بمحيطها، وجاء في كلامه عنها: “وحين يسير المسافر من الحسا إلى الشمال سبعة فراسخ يبلغ جهة القطيف وهي مدينة كبيرة بها نخل كثير” وذكر أن المقريزي قال في كتابه “اتعاظ الحنفاء”: “بين هجر التي على البحر والأحساء في الصحراء ميلان”.
وبيّن مواصفات الأحساء الصحراوية من خلال وصف الرحالة ناصر خسرو بوصفه أرض الأحساء عندما زارها في أيام القرامطة حيث قال: “والحساء مدينة في الصحراء ولبلوغها عن أي طريق ينبغي اجتياز صحراء واسعة، والبصرة أقرب البلاد الإسلامية التي بها سلطنة إلى الأحساء، وبينها خمسون ومائة فرسخ ولم يقصد سلطان من البصرة الحسا أبداً، والحسا مدينة وسواد أيضاً وبها قلعة ويحيط بها أربعة أسوار قوية متعاقبة من اللبن المحكم البناء بين كل اثنين منها ما يقرب من فرسخ، وفي المدينة عيون ماء عظيمة تكفي لكل منها لإدارة خمس سواق”.
وأشار إلى أن أحساء القرامطة أقرب من القطيف من أحساء الهفوف قائلًا: “اتفق كل من ناصر خسرو والإدريسي على أن أحساء القرامطة مدينة صغيرة، بينما القطيف مدينة كبيرة وفيها نخل كثير، كما أن ناصر خسرو قال: “إن بين الأحساء والبحر سبعة فراسخ أي ما يقارب (21) ميلاً وبين القطيف والأحساء سبعة فراسخ أي (21) ميلاً”.
وفسر السلهام ذلك بأن من اليمامة (الخرج) إلى الأحساء 40 فرسخاً، ومن أحساء القرامطة إلى البحر سبعة فراسخ، ومن الأحساء إلى القطيف سبعة فراسخ، ومن اليمامة إلى القطيف 47 فرسخاً، ومن اليمامة إلى القطيف 400 كلم، فإذا قسمنا 400 كلم على 47 فرسخ يكون الناتج فرسخ ناصر 8,51 كلم، والمسافة بين القطيف إلى أحساء القرامطة 8,51 كلم إذا ضربت في 7 فراسخ يكون الناتج 60 كلم، وقال: “وبالتالي بعد أن أوضحنا المسافات والمواصفات الخاصة بأحساء القرامطة، فأعتقد أنها أقرب إلى القطيف من الأحساء الحالية، فهي تبعد عن القطيف 60 كلم بحساب ناصر خسرو، بينما تبعد أحساء القرامطة عن أحساء اليوم نحو 120 كلم تقريباً، وإذا حاولنا أن نضع تقريباً إلى موقع أحساء القرامطة فهي في منتصف الطريق بين الدمام وبقيق من جهة البحر؛ لقربها من مدينة هجر الساحلية، حيث المسافة بين الدمام وبقيق 85 كلم تقريبًا، فأحساء القرامطة أقرب إلى الدمام منها إلى مدينة بقيق”.