تسلل الكاتب والقاص موسى إبراهيم الثنيان إلى التاريخ لفترة الستينات، ليكتب عن الإنسان في تلك الفترة الزمنية، وكيف كانت بيئته الحياتية، وطريقة تفكيره، وما يحمله من أبعاد اجتماعية ونفسية، لتحضر الأساطير والحكايا الشعبية في إصداره الثاني “سوابيط مظلمة” الذي جاء في 95 صفحة، وضم 13 نصًا، من طباعة نادي أدبي مكة بالتعاون مع دار الانتشار العربي اللبنانية.
وتأتي قصة “سوابيط مظلمة”، التي احتلت عنوان الإصدار، حيث تدور أحداثها في فترة الستينات الميلادية، ضمن مثلث العشق، ما بين حي القلعة، وحمام “أبو لوزة” والحرائش، وبطلها فيروز الذي أحب ابنة سيده ووجد نفسه فجأة، يطارد طائر العقعق من الربيع إلى الربيع، كمهر لها.
ويستعرض الكاتب المعاناة التي يعيشها فيروز حيث يعاني مأزقًا إنسانيًا في الاندماج الاجتماعي، ويثير التساؤلات حول ذاته المأسورة بالتناقضات، بين حريته الحائرة والمقيدة، وعبوديته المطمئنة والحرة وذلك إبان تحرير العبيد عام 1962 ميلادية وبجهود من الملك فيصل.
وفي باقي نصوص المجموعة، يوظف القاص الأسطورة والحكاية الشعبية في نصوصه، محاولة منه للعودة للتراث، وليل الحكايات، وتأصيل علاقة الإنسان بالأرض، وعلاقته بالطيور هذا الكائن الكوني برموزه المتعددة.
كشكول قصة
في عام 1416هـ، وبين مقاعد الدراسة في المرحلة المُتوسطة، كان يقتني كشكولًا صغيرًا، لا يفارقه، يكتب فيه قصصه، التي غلب عليها الطابع التربوي والديني، ومع مرور الأيام، تعلق بعالم القصة أكثر، لتمتزج أفكاره برؤيته، ليُعالج نصوصه معالجة درامية، لا تكتفي بمقومات القصة، وأسسها، ليضيف عليها فاعلية التصور البصري، ليجعل القارئ يعيشها في خياله كمشهد درامي.
أخذ الثنيان يُطور من مهاراته الكتابية، ويقرأ أكثر، ويُشاهد أكثر، لتتكون لديه تقنيته الخاصة به، فقليل من الكُتّاب من يستطيع الدمج بين الحالة الكتابية بالأبجدية، والرؤية الدرامية الإخراجية.
مخيلة الكاتب
يرى الثنيان أن كتابة النص لا يحده الوقت الزمني، فمتى تضيء الفكرة مخيلة الكاتب، تحضر الكتابة، لافتًا إلى العبارة، التي تقول: “إن الأفكار ملقاة على قارعة الطريق وعلى الكاتب أن يلتقطها”، متخذًا من هذه الرؤية، ملاذًا لكل ما يخطه يراعه، وتأتي بها الأفكار، ليُحولها لنص قصصي مدهش.
ويرى أنه قد يحصل الكاتب على فكرة من كلمة عابرة سمعها من شخص ما، أو قرأها في كتاب، أو رأى مشهدًا أمامه، أحدث فيه أثرًا، واستفز مشاعره بالسلب أو الإيجاب.
وبيّن أن توفر المكان الهادئ، يُعد أحد الأمور الضرورية لممارسة الكتابة، إلا أنه لا يكفي ما لم يكن هناك صخب داخل الكاتب، يحركه، كي يكتب.
وقال: “عن نفسي أحاول أن أتجنب الكتابة ليلًا، خاصة قرب موعد النوم، ذلك لأن النص إذا تُرك مفتوحًا، ولم يصل للنهاية، فإنه يحضر لي في الرؤيا في النوم بشكل مزعج، خاصة إذا كان الحدث المتروك مليئًا بالشجن”.
حرية نورس
“لكل نص مناسبته أو موقف معين نتج عنه النص”، بهذه الكلمات أجاب الثنيان عن الاستفسار حول كتابة النص ومدى العلاقة بينه وبين المواقف أو الكلمات، التي تحدث له، وقال: “إن هناك موقفًا أدهشه؛ عندما رأى نورسًا معروضًا للبيع في سوق السبت -سوق الخميس سابقًا-، لتقفز الأسئلة في رأسه، لأن النوارس ليست من الطيور، التي تربى في البيوت، أو المزارع!”.
وتابع: “اعتدت رؤية النوارس وهي تشاغب الموج والبحارة، وكان منظر ذلك النورس المحبوس يثير الشفقة، وإضافة إلى ذلك يوجد في السوق العديد من الطيور، التي توقف خط هجرتها الموسمية عند هذه الأقفاص بسبب جهل بعض البشر، مما دفعني لأن أشتريه لأطلق سراحه عند البحر، ونتج عن هذا الموقف قصة “حرية نورس”، وهي من ضمن المجموعة القصصية”.
التاريخ ملهم
تشبث الكاتب بالتاريخ، الذي وجد فيه ضالته الذاتية، فأخذه الحنين لتلك الأزمنة ليسطرها في قصصه، وعن هذا التعلق، يقول: “لا أدري لما أجد نفسي مشدودًا للتاريخ وللكتابة عنه، أتوق للبحث في أعماقه َوتفاصيله واستلهام شخوص القصة وأحداثها منه”، متابعًا: “لا أخفيكم أني وجدت في كتابة النص التاريخي صعوبة؛ وذلك لأنني أولًا لم أعش في تلك الفترة، كما في قصة سوابيط مظلمة، وهي تحتل الجزء الأكبر من الكتاب، فذلك الأمر تطلب مني المعالجة الدرامية بما يتناسب، مع الفترة الزمنية للنص وهي فترة الستينات، وأسلوب حياتهم ومعاملاتهم”.
ووصف الكتابة عن فترة تاريخية بانها وعرة جدًا، وقال: “وجدت قلمي، يتحطم على سفح التاريخ، كل هذا، وهي فترة الستينات والتي تعتبر فترة قريبة منا مما سهل عليّ الرجوع لأناس عاشوا في تلك الفترة لمعالجة أحداث النص تاريخيًا، فكيف بمراحل تاريخية أعمق”.
وأضاف أن المصادر التاريخية تنقل لنا الوقائع التاريخية والأحداث الكبرى، ولكنها لن تنقل لنا تفاصيل حياتهم الاجتماعية، وطرق معاشهم، وحالاتهم النفسية إلا القليل منها.
بلاغية النص
ما بين الأسلوب المباشر -الكلاسيكية-، واللغة البلاغية، كأسلوب كتابي، وحالة ضرورية، يُؤكد أنه بلا شك فإن الكتابة البلاغية أهم سمات النص الأدبي، وحين يفقدها، ينتقل النص إلى التقريرية المباشرة، ملفتًا إلى أنه تختلف نوعية البلاغة باختلاف الجنس الأدبي.
وذكر أن النص الشعري تكمن بلاغته في بلاغة الصورة، أما المسرح فبلاغته في بلاغة الحوار، وأما القصة القصيرة، ففي بلاغة الحدث، مبينًا أنه لا يمكننا أن نعتبر القصة بلاغية لمجرد أنها اشتملت على صور بلاغية، فقوة القصة فيما يكتنزه الحدث من حمولات اجتماعية، أو سياسية، أو فكرية، ومثلوجيا، وفي مهارة نحت الحدث من خضم الحياة، وصخبها، وشريط الأحداث الطويل، وإبرازه بشكل مدهش ومختلف، فمن هنا تكسب القصة أهميتها.
الثنيان
الكاتب والقاص موسى إبراهيم الثنيان، من مواليد محافظة القطيف 1983م، أصدر مجموعته القصصية الأولى، بعنوان “قيامة الورق”، عن نادي أدبي الشرقية عام 2014م، وأصدر مجموعته الثانية، بعنوان “سوابيط مظلمة”، عن نادي أدبي مكة2021م وكتب عدة مقالات نقدية، منها: رمزية المطر عند السياب والزراعي والاستكانة، رمزية السمك عند الشعوب، والاستكانة والتعالي في شعر الكحلاوي.
في عام 1423هـ، حصل على المركز الثالث عن نص أصابع الندم في نادي أدبي الشرقية، وكتب نص فيلم بقايا طعام، الذي حصد المركز الأول عدة مرات في عام 2008م، وكان ذلك في مهرجان الأفلام في الإمارات وجدة والدمام.