الجمعيات الفقيرة

في كل عامٍ قبل حلول شهر رمضان المبارك تتهافت رسائل عديدة وكثيرة من الجمعيات الخيرية، تدعو فيها المجتمع إلى المساندة في دعم السلال الرمضانية، والكسوة وغيرها، وهذا أمر ندعمه ونؤيده، ولكن بشرط المشاركة بالأجر والثواب لا بالاعتماد التام على الأفراد وتبرعاتهم.

كلنا إيها القارئون الأعزة، يعلم أن الجهة الأولى في دعم المحتاجين والفقراء هي الجمعية الخيرية، ولكن ماذا إذا كانت الجمعية إساسًا فقيرة؟!

نعم يوجد الكثير من الجمعيات في محافظتنا العزيزة نصنفها على أنها فقيرة؛ وذلك بسبب اعتمادها الكلي والكامل على تبرعات الناس واشتراكاتهم السنوية، وهذا أمر غير جيد، لا من الناحية المؤسساتية، ولا من ناحية الموازنة.

مثالًا على ذلك، هناك جمعية تريد إقامة برنامج فلاني لدعم الشريحة الفلانية تابعة لها، والمبلغ الإجمالي والتقديري يصل لنحو مليون ريال سنوي، وآلية البرنامج معتمدة اعتمادًا كليًا على التبرعات، وهي أساسًا لا تمتلك مبنى.

هنا وقعت هذه الجمعية في معضلة الحماسة للعمل دون إستراتيجية ومنهجية، فهي لم تضع تدرجًا للأولويات، لتبدأ بالأهم ثم المهم، فيؤدي هذا الموضوع بصب غالبية الموازنة المخصصة، على برنامج واحد غير مستدام.

إن هذا الفعل يؤدي إلى نفور الأثرياء والتجار من دعم الجمعيات، وذلك بمعنى أنهم بدعمهم يريدون رؤية نتائج ونجاحات على أرض الواقع، من خلال إقامة مشاريع مستدامة تدر دخلًا ثابتًا للجمعيات، بحيث تقلل مد يدها للناس، وتستمر نجاحاتها كانت بوجود المتبرعين أو غيابهم، بحيث تكون هناك استقلالية تامة، واعتماد ذاتي على نفسها. ونحن نردد دائمًا مثلًا أراه واجب التطبيق على الجمعيات، وهو: (إذا كان صاحبك حلوًا لا تأكله كلّه).

إن وجود المشاريع المستدامة سيكون نقلة نوعية في مسيرة تجاوز الجمعيات لظاهرة الاعتماد على التبرعات كمصدر رئيس لتمويل خدماتها الخيرية، ونحن ولله الحمد جمعياتنا في المحافظة لها سنوات كثيرة وطويلة في خدمة ودعم المحتاجين، وهذا يشكل خبرة طويلة، ولكن ما يزيد دعوتي لذلك، هو مرورنا بعواصف كثيرة تؤثر على الجمعيات صاحبة الاعتماد على التبرعات، ولنا في الجائحة خير مثال، فالغالب قد تضرر منها ومنهم الجمعيات، بل وزاد المحتاجين إلى الجمعيات خلال الجائحة، وذلك بسبب توقف الكثير من الأنشطة على مستوى العالم، وهذا يدعونا لإعادة التفكير والنظر في الاعتماد على التبرعات، كي لا يذهب الفقير إلى جمعية فقيرة.



error: المحتوي محمي