فريد أحمد آل شبر.. نموذج الأب الكادح والكاد على عياله

اعتاد بعض من الناس بعد رحلة عمل طويلة من الكدح والعناء، الركون إلى الراحة النفسية والجسدية، وهذا حق إنساني ينتظره كل فرد من أبناء المجتمع، وهو ما يعبر عنه بالمجتمع المدني بمكافأة نهاية الخدمة، وهذا الجانب الإنساني راعته كل الأنظمة الدولية والمدنية، حيث قامت بتأسيس نظام ما يسمى في المصطلح الحديث بـ”نظام التقاعد المدني” وهذا النظام قد أسس حديثًا، لكي يضمن للإنسان العصري حياة كريمة بعد رحلة عمل طويلة وشاقة، استغرقت مدة من الزمن من الخدمة والعمل، حتى حق للعامل صرف راتب شهري له من قبل إحدى مؤسسات الدولة، التي تعنى بالتأمينات الاجتماعية، حيث يكون دور هذه المؤسسة، باستقطاع مبلغ معين وشهري، من أجور العاملين في القطاع العام والخاص، بنسبة معينة متفق عليها بين مؤسسة التأمين الاجتماعي والقطاع المعني، وكأنها صندوق استثماري طويل الأجل، ويتم ذلك عبر عملية تنسيق بين جهة العمل وبين مؤسسة التأمين الاجتماعية وفق آلية يحددها الطرفان.

والهدف من إنشاء هذه المؤسسة الإنسانية والاستثمارية الطويلة الأجل للعاملين، هو لأجل حفظ كرامة هذا العامل الكادح ومن هم تحت رعايته من أفراد أسرته، حيث تضمن لهم حياة كريمة وإنسانية، بعد خدمة طويلة قدمها هذا العامل الكادح لوطنه ومجتمعه.

ولكن بعض الأحيان تصادف هذا الإنسان متغيرات حياتية لم يكن يحسب لها حسابًا دقيقًا، وقد تكون خارج إرادته وقدراته التفكيرية والمستقبلية، كمثال تغير القوى الشرائية على كل صعيد، مما يربك خطط هذا العامل الكادح بعد مرحلة التقاعد، مما ينتج له اضطرابًا في حياته الشخصية والأسرية، فيكون بين خيارين إما الخنوع والاستسلام، أو التفكير بآلية التغيير والتطوير لأجل التحسين من وضعه المادي، وبقاء أسرته في وضع ما اعتادت عليه أو بانخفاض قليل مما كانت عليه قبل التقاعد.

وبلا شك من يحمل حس المسؤولية الأسرية، سوف يختار الخيار الثاني، حتى لو كان على حساب صحته وراحته النفسية والجسدية والاجتماعية.

الأخ والصديق فريد أحمد آل شبر، من الفئة الاجتماعية الكادحة، التي اختارت الخيار الثاني، حيث إن الأخ فريد كان يعمل قبل التقاعد، في القطاع المصرفي لمدة تجاوزت الثلاثين عامًا، وطبيعة العمل في هذا القطاع تتطلب من صاحبه أن يكون حاملًا لثقافة الأناقة والاهتمام بمظهره الخارجي والداخلي، وذلك ليضمن استمرار جاذبيته في المنشأة المصرفية، بل لا يكتفي بذلك إذ ينبغي عليه الاهتمام بجاذبيته الكلامية والجسدية والأناقة الروحية، لكي يكون قادرًا على التعامل مع الجمهور المتنوع في الطبع والتفكير والسلوك.

وهنا قد يجد أمثال الأخ فريد شبر صعوبة بالغة في إيجاد عمل بعد التقاعد بمستوى ما كان عليه قبل التقاعد، وخاصة في جانب الإتيكيت، من حيث المكان والنوعية في العمل والجمهور، كما اعتاد هو عليه لمدة ثلاثين عامًا، وفي ظل ظروف الجائحة كورونا، التي اجتاحت العالم كله اقتصاديًا وصحيًا، مما زاد في صعوبة إيجاد عمل في عمر قارب فيه على الخمسين عامًا، وفي ظروف صحية خلفتها له هذه سنوات العمل الطويلة في هذا القطاع.
وإذا به بين هذا التحدي النفسي الكبير، الذي أخذ يصارعه لمدة من الزمن، فجأة إذ يقرر بعدها وبكل عزيمة وتوكل على الله، أن يتناسى ما كان عليه لمدة ثلاثين عامًا، من الأناقة والبهرجة والشياكة والمكانة الاجتماعية، التي حاز عليها جراء بنائه علاقات اجتماعية واسعة، إلى أن يقرر أن يعمل حارس أمن في إحدى الشركات الأمنية، وفي أحد الفروع التي كان يعمل فيها مسبقًا، أي قبل التقاعد، حيث كان يعمل على أحد هذه المكاتب الفخمة التي يحرسها حاليًا، واضعًا أمامه أن كل عمل شريف يباركه الله ويحبه مهما كانت طبيعته، وخاصة هذه التضحية التي يقدمها هي إلى أعز ما وهبه الله له، وهو كيانه الأسري، أي أفراد أسرته، الذين هم بدورهم يتفاخرون أن الله وهبهم أبًا مثل أبيهم العم فريد الملقب بأبي أحمد.

هذا النموذج المثالي والفريد من أبناء المجتمع، الذي يبحث عن سد حاجته وحاجة عياله، عن طريق الكدح المستمر في الحياة لأجل توفير لقمة العيش الحلال النظيفة له وإلى أسرته الكريمة، ينبغي أن يفتخر به وبأمثاله من رجالات المجتمع الأوفياء والخلص، الذين يقدمون للمجتمع وأبنائه النموذج الحي في التضحية والوفاء، لكي يبعثوا للمجتمع روح حب استمرارية العمل والعطاء، تاركين خلفهم حب الذات، التي تجر خلفها الويلات النفسية والأسرية والاجتماعية، ولربما الضياع الذي ينتج عنه الندامة والأعباء الاجتماعية، من البطالة وخلق الجريمة والتسكع في الطرقات والكورنيشات، تحت مبررات تخفض من مستوى إنسانيتهم، وهم في عمر الزهور ويرفلون بصحة وعافية، حيث تضعهم هذه المبررات تحت عجز يصل إلى درجة الشلل الفكري والجسدي الكامل، أو ما يسمى بعدم القدرة على فن إدارة الأمور.

وأخيرًا أقول خيرة الكلام قول ربنا الكريم، من سورة [التوبة آية ١٠٥]: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
وكما روي عن الإمام جعفر الصادق (ع): “الكاد على عياله كالمتشحط بدمه في سبيل الله”.



error: المحتوي محمي