من المهم لتكوين معالم القوة والاقتدار في شخصيات أبنائنا هو التربية بمبدأ القدوة، وتقديم تلك الشخصيات العظيمة التي صنعت التاريخ الإنساني المشرق بمواقفها الخالدة، والتي تؤكد سمة السمو والعلياء في الشخصية البشرية إن كانت سائرة خلف الوعي الفكري وتحريك الذهن في تقييم أي فكرة وحدث، وتطبيق المثل والقيم الأخلاقية في التعامل مع الآخرين، والتي تثبت أن هذا المخلوق مكرم لا باتباعه للأهواء وتغليف العقل بالأفكار السطحية التي تبقي الفرد في دائرة الضعف وعدم الإنتاجية، فهناك من الشخصيات العظيمة التي لا يمكننا المرور بها إلا ونقف إجلالًا وإكبارًا لمواقف خالدة برزت منهم، لو قدمت للأجيال الصاعدة والواعدة في شكل مناهج تربوية تتحدث عن تلك المواقف وتستخلص العبر وتستلهم المواقف والسلوكيات التطبيقية لها في واقعنا المعاصر، لقدمنا زادًا معرفيًا وتربويًا يسهم في خلق ناشئة على مستوى المسؤولية والفاعلية والنشاط لكل ما يواجهونه من تحديات فكرية وعملية وسلوكية.
ولن نجد شخصية ملهمة وصانعة للمجد التليد كشخصية علي بن الحسين الأكبر (ع)، حيث يسهم تقديم شخصيته المفعمة بالمبادئ والقيم فيما يساعد الشباب والفتيات على استلهام تلك القيم في حياتهم، وما علينا سوى التمعن في مكارم صفاته واستلالها من مواقفه المقدامة، فسنجده ذلك الشاب المفعم بالشجاعة النادرة والتي جعلت قلوب الأبطال ترتجف من وجوده في سوح الوغى وتهاب طلته المباركة فضلًا عن الدخول معه في مبارزة، فهو (ع) له من سيماء جده المصطفى (ص) في النصر بالرعب الذي تمتلئ به قلوب الأعداء، وأما جمال المعارف الحقة عنده فقد ظهر جليًا من موقفه مع أبيه الحسين (ع) لما سأله عن سبب استرجاعه أثناء مسيرهم فأخبره برؤياه التي تنعى فيها نفوسهم الطاهرة، فكان همه الأوحد أن يظهر هدفهم الرباني الخالص لوجه الله تعالى في تحركهم ومحاربتهم للظلم، فقال كلمته المشهورة: أولسنا على الحق؟!
كلمة كلها معانٍ ودلالات على صدق اليقين والثبات والإخلاص والبسالة، والكرم والتضحية بأغلى ما يملك في سبسل نصرة الدين، وأما فصاحة لسانه وأسلوبه المتين في الكلام فتشهد له بذلك حواراته القليلة التي نقلتها مصادر التاريخ، وكذلك ارتجازه في كربلاء بتلك الأبيات الشعرية الدالة على قريحته الإيمانية، كما يشهد لبصيرته وحنكته التي لا تهجم عليها اللوابس المشككة في الحق هو موقفه من خدعة الأمان التي أريد تقديمها له ليتخلى عن نصرة الإمام الحسين (ع)، وهذا الأمان المضلل الخداع كاشف عن جهلهم بحقيقة شخصية علي الأكبر (ع) المتفاني والباذل لكل شيء لأجل دينه، فليس هو من أولئك الذين يحرصون على الحياة المتسخة بالذلة والهوان أو مجرد استحصال الغرائز والشهوات كالبهائم، بل الحياة بنظر هذا البطل المقدام هي إعمار ما كتبه الله تعالى للإنسان من عمر في طاعة الله تعالى وبناء المجتمع الزاخر بالطاقات، كما كان عليه علي الأكبر (ع) من جمال روحي وأخلاقي يشع من جبين إقدامه وبسالته وتقواه ليمتد أثره الجميل بامتداد البشرية.
ونحن نستذكر حياة بطل الإسلام نبدي الأسف على ما اعترى بعض الشباب والفتيات من افتتان بالمظاهر المادية الخداعة، فأصبح التفاخر والتمايز بينهم بالحصول على آخر الموضات، ويعيشون حالة من الخواء الفكري وافتقاد الانضباط والاتزان السلوكي، بل ويحمل هذا الشاب المستهتر معول الهدم للقيم المجتمعية والإنسانية بدعوى الحرية الشخصية!
أعمارنا بنظر علي الأكبر (ع) هبة إلهية وما نتمايز به عن بعضنا هو مستوى تحملنا للمسؤولية وهمتنا في التكامل العلمي والأخلاقي والتربوي، وينبغي أن نتعلم من هذا المقدام شجاعة الكلمة والموقف واتخاذ القرار وتغليب الفكر الرشيد على كل المغريات مهما بلغت درجة جاذبيتها.