رجل بسيط وعصامي في منتصف العقد الخامس، كنت أراقبه عن بعد كل يوم وعلى مدى شهر من الزمان وأنا أمارس رياضة المشي بعد الظهيرة وعلى ضفاف كورنيش شاطئ الهادي والخامسة ألقي عليه السلام ويرد بأحسن منها.
يقضي من الساعة الى ثلاث ساعات وهو حامل أكياس القمامة، وهو يقوم بجمع ما يخلفه مرتادو الشاطئ من عوائل وأفراد وصيادين، يجمع القناني والأكياس البلاستيكية ومخلفات الطعام وشباك الصيد غير الصالحة وكذلك خيوط الصيد ويقوم برميها في حاويات النظافة ويجمع الطعام المهمل ويقدمه إلى الطيور والأسماك.
كنت متردداً كثيراً في الاقتراب منه منعاً لإحراجه والتسبب في مضايقته، ولكن قبل أيام تجرأت واقتربت منه وألقيت عليه السلام كالعادة فرد بأحسنه، تجاذبت معه أطراف الحديث وبدأ يفضفض ما بداخله.
عرفت عن نفسي وعرف عن نفسه، سألته لماذا يقوم بما يقوم به يومياً وبدون مقابل؟ فبدأ يتحدث عن ما يراه يومياً من العبث المتعمد من قبل بعض العوائل والأفراد والصيادين، وما يمثله ذلك من انتهاك لحرمة البيئة وتدمير الحياة الفطرية من طيور وأسماك وحيوانات.
وبدأ يتحدث عن ما وصلنا إليه ولماذا لا نرتقي إلى مستويات أفضل من الوعي الصحي والبيئي، ولماذا لا يقوم كل فرد وكل من موقعه بتوعية المجتمع قبل حدوث الكارثة البيئية، والتي سيدفع ثمنها الأجيال القادمة، ولماذا لا نرقى إلى مستويات المجتمعات المتحضرة والراقية للمحافظة على النظافة ومن ثم البيئة، والتي ستجنبنا الكثير من الكوارث والأمراض.
هذا الرجل البسيط الذي رفض الإفصاح عن اسمه للعامة كان يزور مبنى البلدية وأعضاء المجلس البلدي ويقابل المسؤولين ويحثهم على القيام بواجباتهم ويدلهم على بعض مواقع الخلل البيئي.
استأذنت منه أن أصوره وأنشر صوره كمثال للمواطن الصالح الذي يستحق كل تقدير، ولكن أبى وطلب مني أن لا أنشر صوراً تبين ملامح وجهه، ووعدته بذلك.
هذا الشخص والكثير من أمثاله يستحقون كل احترام وتبجيل، ويستحقون الترشيح لجائزة المحافظ على البيئة والنظافة من قبل المجتمع، فإليه نرفع القبعات احتراماً لأمثاله، ودمتِ يا قطيف برجالاتك الأوفياء والمخلصين.