(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ) الحجرات – ١٢.
في منهجية الله سبحانه وتعالى لبناء مجتمعات إسلامية آمنة، يؤكد أن الإيمان الحقيقي هو تَجسيد القيم الفكرية التي نحمِلها ونُؤمن بها وندَّعيها إلى واقع مُعاش، وإلى منهج وآداب للعلاقات الإنسانية في هذه الحياة.
هذا المنهج وهذه الآداب تُقوّي وتُمتّن من العلاقات بين المؤمنين، وهل هناك أجمل من أن نعيش حالة القوة والألفة والوفاق والمودة بين بعضنا البعض.
هكذا تُقَدّر قيمة المجتمعات، بمبادئها وأهدافها وقِيمها التي تحملها وتُطبقها وتَحميها.
“سوء الظن”
مفتاح من مفاتيح الشر والفتنة والاختلاف والفرقة التي تنخر في بُنيَة العلاقات الاجتماعية.
يسبب:
الضعف والوهن وزوال الثقة، فتنتفي حركة التفاعل والتكاتف بين المجتمع وبالتالي يعيشون حالة الريبة والتشكيك فيما بينهم.
الظن:
مأخوذ من مادة “ظ ن ن” التي تدل على معنيين:
• أحدهما اليقين
• والآخر الشك.
قال الراغب: الظن: اسم لما يحصل عن أمارة متى قويت أدت إلى العلم، ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حدّ التوهم.
معنى “سوء الظن”:
أن الإنسان يتخيل ويظن بأقوال الآخرين وأفعالهم سوء ويرى هذا الخيال حقيقة ويرتب عليه آثاراً.
• مثال:
لو شاهد أحد امرأة تتحدث مع رجل (يعرفه في العمل) يخطر في ذهنه أن بينهما علاقة غير مشروعة وأن حوارهما هذا حوار غزل، عندئذ يفقد الثقة به ويتعامل معه على أنه إنسان فاسد لا يتورّع عن النظر إلى غير المحارم.
إن سوء الظن هذا مثل حمض الأسيد الذي هو من أخطر المواد الكيميائية الحارقة، فكما يحرق حمض الأسيد الجسم ويشوه المنظر، كذلك “سوء الظن” يحرق إيمان المرء ويُميت الهدوء النفسي لصاحب هذه الرذيلة، وباعتباره انحرافا فكرياً، فإن ذلك يَمنعه من التقدّم في حركة الحياة، قال الإمام علي “ع”: “مَنْ سـاءَ ظَنُّهُ، سـاءَ وَهمُهُ”.
لفتة مهمة:
القرآن الكريم يقول: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)، معنى ذلك أن سوء الظن ليس دائماً مذموماً، ففي روايات أهل البيت “ع” أن سوء الظن يجوز ويجب في بعض المواقع، مثل:
1- إذا غلب الفساد:
يقول الإمام علي “ع”: “إِذَا اِسْتَوْلَى اَلْفَسَادُ عَلَى اَلزَّمَانِ وَأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ اَلظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ”.
على الإنسان أن يكون ذكياً، حذراً، كيساً، فطناً في هذه الموارد حتى لا يتم خداعه.
2- بعد التصالح مع العدو:
لأن ذلك يدل على السذاجة وعدم الحنكة لما قد يكون في التصالح من حيلة جديدة للتغافل والتسلط على المسلمين.
قال الإمام علي “ع”: “الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَاتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ”.
هكذا أراد لنا الله أن نعيش بقلوبٍ بيضاء، امتلأت بأرقى المُثل والقِيم وأجمل المعاني الفاضلة، قلوبٌ تحمل الكلام على محمل الخير ما دامت ترى له محملاً.
قلوبٌ نَسلَم بها من أذى الخواطر والأفكار التي تُؤذي النفس وتُتعب الجسد وتنخر في الإيمان.
اللهم بصّرنا بعيوبنا، ونقّ صدورنا وقلوبنا، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، واختم بالصالحات أعمالنا.