في وداع أول طبيبة ولادة سعودية بمستشفى القطيف.. «حياة آل جمعة» تخلع معطف الـ33 عامًا وتلبسه ابنتها «فدك»

خلعت استشارية النساء والولادة في مستشفى القطيف المركزي الدكتورة حياة آل جمعة معطفها الأبيض لتلّبِسَه لابنتها فدك عارف الجشي بعد انتهاء رحلة “حياة”، التي استمرت 33 عامًا، قضتها بين أروقة المستشفى وهي تصحب سماعة الكشف ومشرط العمليات.

حلم اليتيمة
تعود حكاية الـ33 عامًا في عالم الطب، إلى أبعد من تلك السنوات، إلى أيام ما كانت تعيش طفلة يتيمة الأب بين أمها “فهيمة الجشي” وإخوتها الذين حرصوا على أن تكون من المتفوقات، ويكون لها قرار اختيار المستقبل، ذلك القرار الذي لقي تشجيعًا من الجميع بعد أن قررت الالتحاق بجامعة الملك سعود بالرياض لدراسة الطب، بعدما أكملت دراستها النظامية في مدارس القطيف.

تحكي سليلة عائلة آل جمعة التي كانت تسكن حي القلعة بالقطيف: “عدت إلى القطيف عام 1985م وأنا أحمل بين جناحي الشهادة التي أحلم بها؛ بكالوريوس طب بشري، حيث كنت من أولى الدفعات التي خرجتهم جامعة الملك سعود بالرياض، ومع قلة الطبيبات السعوديات وجدت لي مكانًا شاغرًا بوزارة الصحة في ذات السنة التي تخرجت فيها، فكنت أول سعودية في مستشفى القطيف العام بالشويكة، ومع سنوات عملي دعمت شهادتي بدبلوم نساء وولادة، إلى أن انتقلت للعمل في مستشفى القطيف المركزي مع بداية تأسيسه”.

عِلمٌ يتلوه عِلم
واصلت آل جمعة مسيرتها العلمية بالالتحاق ببرنامج النساء والولادة الزمالة العربية لمدة 4 سنوات وتخرجت فيها عام 1991م، وبعدها عملت لأربع سنوات في مستشفى الولادة والأطفال في الدمام، ثم عادت استشارية نساء وولادة لمركزي القطيف بعد حصولها على الزمالة الأردنية في عام 2005م، كما حصلت على دبلوم أشعة صوتية من مستشفى الملك خالد الجامعي عام 2009م.

صعوبات
تعتبر آل جمعة المناوبات الليلية في المستشفى، مع مسؤولية الأمومة والتربية، من أصعب التحديات التي واجهتها بإصرار وعزيمة مستندةً فيها على مساعدة زوجها عارف الجشي، الذي تصفه بـ”المحفز نحو تخطي ذلك”، كما أنها لا تنسى الإشارة إلى الدعم من المجتمع الذي كان بحاجة لطبيبة سعودية وهي من كانت تقوم بذلك الدور.

بلا حصر
تستصعب الدكتورة حياة حصر عدد حالات الولادة التي كانت على يديها، إلا أن ذاكرتها تختزل الكثير من اللحظات السعيدة، تلك التي تعتبر أروعها عندما ترسم السعادة لعائلة حرمت من نعمة البنين لعدة سنوات بعد مسيرة علاج طويلة، وولادة أم بطفل سليم وبصحة وسلامة بعد رحلة عاشتها وهنًا على وهن، إضافةً إلى لقاء سيدة بعد عدة سنوات تخبرها أنها المولّدة لها بأحد أبنائها وبعد سنوات تولّد الابنة.

وعن أكثر ما استوقفها خلال سنوات عملها، تقول: “تتجلى حكمة وقدرة الله في منح نعمة البنين للبعض وصرفها عن البعض الآخر لسنوات، بالإضافة إلى الصبر والرجاء لله بطرق بابه عند الشدة، ومعاصرة حالة الحمل وخروج الروح من الروح على أنها حالة استثنائية بما تحمل من أبعاد نفسية وصحية وأسرية للمريضة”.

تعاقب إداري.. وزملاء
عاصرت آل جمعة خلال سنوات عملها تعاقبت عدة إدارات، بدأت بإدارة صالح الخنيني في مستشفى القطيف العام بالشويكة، ثم انتقاله إلى مستشفى القطيف المركزي، وكذلك إدارات إبراهيم الزهراني، وعلي الحداد، والدكتور كامل العباد، والإدارة الحالية بقيادة الدكتور رياض الموسى ونائبه الدكتور حسن الفرج.

واحتضنت تلك السنوات العديد من الزملاء والرفيقات من الأطباء والطبيبات ممن عملت معهم كاليد الواحدة، ومنهم؛ آمال شهاب، وأمل الزاير، وهدى العمران، وماجدة الجراش، ونجاة الفضل، وسوسن الناصر، وأميمة عبد الملحم من مصر، وسعيد الكيلاني ومحمد الطنطاوي ويوسف بوخمسين.

الطبيبة الإدارية
جمعت آل جمعة خلال عملها العيادي العمل الإداري حيث كانت نائب رئيس قسم النساء والولادة منذ عام 1434هـ، إلى 1441هـ، حيث أصحبت رئيسًا لذات القسم، وخلال هذه السنوات في 2019م نجح قسم النساء والولادة بمركزي القطيف في الحصول على اعتماد سباهي، بالإضافة إلى دورها في تأسيس عيادة الأشعة الصوتية للحوامل وعيادة منظار الرحم بمركزي القطيف.

الطبيبة الأم
وكما أدت عملها كطبيبة بكل تفانٍ، مارست دورها كأم بكل ما استطاعت من جهد حاولت فيه ألا يخالط بالتقصير، يدعمها في ذلك زوجها عارف الجشي، فاحتضنت صغارها الذين كبروا وهم يتدفؤون بالقميص الأبيض وينامون بجانبها على سرير المناوبة حيث كانت تحرس المرضى، وها هي تراهم يكبرون؛ ويلبسونها الفخر بهم تاجًا، وهي ترى أحمد مهندسًا، وفدك طبيبة مقيمة في مركزي القطيف، أما رغد فهي حاليًا تخطو خطى أمها وأختها في طريق الطب، حيث إنها طالبة مبتعثة في كلية الطب في إحدى جامعات إيرلندا.

تعود بذاكرتها وهي تقول: “أذكر حين كانت صغيرتي رغد طفلة، كنت حينها اختصاصية في مستشفى القطيف المركزي، وكانت تزورني وتنام على سريري في غرفة الطبيبات، وتسهر معي ليلًا لنغادر سويًا في صباح اليوم التالي، فخورة أن صغيرتي الآن تحلم بأن تصبح طبيبة هنا خلفًا لي ورفيقةً لأختها”.

قصص من أروقة المستشفى
لم تخلُ مسيرتها خلال العقود الثلاثة التي عملت بها من الحكايا والمواقف، والتي تتفاوت بين المفرح والمؤلم، وإن كان أكثرها فرحًا رؤية روح جديدة  تتنفس الحياة من رحم روح أخرى، فإن أشدها ألمًا هو حوادث الطرق للسيدات الحوامل، وبالأخص عندما تكون المصابة مراجعة للتو كانت مغادرة المستشفى ولكنها تعود لهم في حالة حرجة هي وجنينها وقد يُفقد أحدهما أو كلاهما.

وتحدثت عن واحد من أصعب المواقف التي عاشتها، ذلك الذي امتد خلال عام الجائحة “كورونا”، والذي وصفته بأنه حالة استثنائية وحالة استنفار، وبذل جهد مضاعف على الكوادر وعلى إدارة المستشفى، وقد عالجوا حالات لحوامل مصابات بكورونا، تم ولله الحمد توليد سيدتين مصابتين بالمرض، ومع الأسف فقدت سيدتان كانت كل منهما حاملًا، مع ذلك استطاعوا جعلها سنة الإنجازات الطارئة، مع وجود التعب الذي بدا واضحًا على جميع الكوادر ونتيجة لاستقبال الحالات المصابة تم فتح عيادات في مركز صحي الرضا والتوبي، مع المختبر والأشعة إلى أن عادت الأمور إلى طبيعتها.

حفل لـ خلع المعطف
اختتمت مسيرة الطبيبة حياة آل جمعة بحفل نظمته الدكتورة فاطمة زكي العلي والدكتورة ساجدة أحمد المرزوق من قسم النساء والولادة بمستشفى القطيف المركزي يوم الخميس 11 مارس 2021م، بحضور عدد من رفيقات دربها العملي منسوبات قسم النساء والولادة بمركزي القطيف، ومدير مركزي القطيف الدكتور رياض الموسى ومدير الخدمات الطبية الدكتور حسن الفرج.

وألقت الدكتورة نجاة موسى بو حليقة كلمة شكر نيابة عن الاختصاصيات في قسم النساء والولادة، مؤكدةً على الأعمال الجليلة التي قامت بها الدكتورة آل جمعة وساهمت في إعلاء مكانة قسم النساء والولادة.

واعتبر مدير الخدمات الطبية الدكتور حسن الفرج أن سر نجاح الدكتورة حياة آل جمعة هو رضا الناس الموجودين معها عنها، لافتًا إلى أن الكوادر الموجودين هم من تدربوا على يدها، كما أنها كانت مكسبًا قويًا للقسم، موجهًا شكره لها مع اعتذاره إن كان قد بدر منهم تقصير.

وغاب زوج آل جمعة عارف الجشي عن الحفل جسدًا بسبب سفره مع ابنته إلى إيرلندا للدراسة لكنه حضر صوتًا عبر إلقاء قصيدة شعرية مسجلة بعنوان “وتقاعدت” نظمها خصصيًا إلى زوجته بهذه المناسبة جاء في مطلعها:

وتقاعدتْ كلُّ الحروفِ لأجلها
وتضاحكتْ كلُّ الورودِ لمبسمِ
فالزهرُ حينَ تناثرتْ أغصانُهُ
ريانةٌ أذكتْ شموعَ الأنجمِ

واختتمت الكلمات بكلمة مدير شبكة صحة القطيف الدكتور رياض الموسى الذي ذكر أنه ألتقى الدكتورة حياة آل جمعة منذ عام 1996م، ورغم التغييرات الإدارية التي مرت بها وزارة الصحة التي كانت جديدة على الجميع، إلا أن قسم النساء والولادة في المستشفى من الأقسام الرئيسية والرائدة مع وجود حلم للجميع بإنجاز مستشفى النساء والولادة المختص والمتكامل الذي يقدم خدمات متكاملة وتخصصية.




error: المحتوي محمي