من الرائع والجميل أن نلتقي صدفة، وبلا ميعاد، مع بعض الأصدقاء الذين كانت تجمعنا معهم أحلى ذكريات العمر، من ذاك الزمن البعيد، زمن الطيبين، وذكريات الجيرة الطيبة، والصداقة الحقيقية المبنية على الوفاء والإخلاص، ويبدأ الحديث بيننا عن ذكريات (الفريج) وعن أيام الدراسة من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الثانوية، وإلى ما بعد الثانوي، حتى يأخذنا الحماس، وتتداخل الأحاديث في بعضها، ويردد كل منًا: تذكر فلان وفلان، وتذكر أيام المدرسة، وكيف كانت حلاوة الفسحة، وكيف كنا نتزاحم على المقصف، وتذكر ذاك الأستاذ كان خوش أستاذًا طيبًا وحبوبًا، وكل منا يقول للآخر: تذكر.. وتذكر، والضحكات تملأ المكان بصدى ذكرانا، ونسترسل في الكلام دون توقف.
من الممكن أن يكون هذا اللقاء عابرًا، ومجرد دقائق أو ساعات قليلة، ولكن هي لحظة من الحياة يعود فينا شريط العمر إلى الوراء خمسين سنة أو أكثر، نتبادل فيها أطراف الحديث، ونسترجع بعضاً من مواقف الطفولة التي كان يحفها جمال البراءة، وعفاف النفس، وتكسوها طيب الروح، وصفاء الأخلاق الحسنة، وحسن المعاملة مع الآخرين، لتعود فينا الذكريات إلى تلك الألعاب الشعبية الجميلة، التي كنا نلعبها في طفولتنا، البسيطة في مواقفها، والبريئة في أفعالها، والرائعة في مضمونها، والغريبة في أسمائها.
ومن تلك الألعاب لعبة (التيلة) من منا لم يلعبها، ومن منا لم يعشقها، ومن منا لم يملأ جيوبه بمختلف ألوانها وأحجامها، كانت لعبة التيلة هي المفضلة عند الأطفال والشباب في ذاك الزمن الذي لا يمكن وصفه إلا بالزمن
الجميل.
وهناك لعبة (الغميضة) لعبة الاختباء والبحث، حيث يبدأ أحدهم بالعد ووجهه نحو الجدار، وباقي الأولاد يختبئون، وبعد الانتهاء من العد يبدأ بالبحث عنهم، وعندما يجد أحدهم أو يلمسه أو يذكره باسمه عندما يراه يخرجه من اللعبة، وتستمر اللعبة إلى أن يتم إخراج جميع اللاعبين.
وهناك لعبة (اللقفة) ويختلف الاسم من مكان لآخر، فهناك أسماء كثيرة للعبة الحجارة التي يُستخدم فيها خمس قطع من الحجر، وهي تتكون من شخصين، ليبدأ الأول باللعب، ليعمل بأصابع يده اليسرى، بالسبابة والإبهام شكل نصف دائرة، وتكون الحجارة الخاصة به أمام يده، فيمسك بيده اليمنى حجراً ويرميه في الهواء وقبل ان (يلقفة) بمعنى أن يمسك به، وبحركة سريعة باليد نفسها، ويدخل واحدة من الأحجار الموجودة على الأرض في المكان الذي عمله بيده اليسرى، ويكمل بتلك الطريقة بقية الحجارة الأربعة، واللاعب الذي يخطئ في إدخال الحجارة من خلال فتحة يده يعتبر هو الخاسر.
وهناك ألعاب شعبية كثيرة، مثل (لعبة المحاذف أو سبع الحجر) و(لعبة النطة) و(لعبة الصبة)، وغيرها من الألعاب الشعبية التي اختلفت أسماؤها بين مناطق المملكة وبين دول الخليج، وبمجرد تذكرنا لهذه الألعاب ترتاح الروح وتطير في مهب الذكريات، ألعاب لا يعرفها ولا يستمتعون بها إلا جيل الطيبين، وإن مرت بنا في حلم اليقظة، رسمت البسمة على وجوهنا، وملأت في أركان المكان رائحة أهلنا وأحبابنا وأصدقائنا وجيراننا الطيبين، فهي كانت من أجمل أيام العمر في بساطتها، وطيبة وبساطة أهلها، كم نشتاق لمثل تلك الأيام، ونحتاج إلى أن نسترجعها في ذاكرتنا من وقت لآخر، لكي تنتعش الروح من عبق الزمن الجميل.