الإيجابية من سيرة النبي المصطفى (ص)

قال تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب / 21]، قال الإمام علي (عليه السلام): اقتدوا بهدى نبيكم فإنه أفضل الهدى، واستنّوا بسنّته فإنها أهدى السنن (1).

تمثل مناسبة المبعث النبوي الشريف انطلاقة لعهد جديد يحمل كل معاني التغيير، فهو تغيير لذلك المجتمع الذي كان يعيش حالة من الظلام السلوكي والفكري، وهو مناسبة للأخذ بيد الإنسان إلى شاطئ النور والعيش الكريم.
وفي هذه المناسبة سنقتطف من سيرة النبي محمد الأكرم (ص) بعض المواقف المشرقة بتلك الإيجابية، لتكون لنا خير قدوة في زمن تكثر فيه الأفكار السلبية، لنستعيد الأمل ونعيش بروح مطمئنة بأن القادم سيكون أجمل بإذن الله تعالى.
فقد كانت سيرته (ص) تمثل قمة الإيجابية، ومن يقرأ سيرته بتمعن فإنه سيرى الإيجابية واضحة في كل معانيها، وإليكم هذه المواقف:

أسماء إيجابية
قام الرسول الأكرم بعملية تغيير شاملة، ليصنع ذلك المجتمع الإسلامي الذي يتميز بروح التفاؤل والانطلاق، فكان (ص) يغير حتى الأسماء التي كانت تمثل أفكاراً سلبية، أو عادات جاهلية، وكان (ص) يختار تلك المسميات التي تمثل الأخلاق الكريمة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: قدم أناس من مزينة على النبي (ص) فقال: ما شعاركم؟
قالوا: حرام.
قال: بل شعاركم حلال. (2)

دعاء إيجابي
ماذا سيكون شعورك وأنت تسمع أحدهم يدعو لك بالتوفيق، وأن يكثر خيرك، وأن تتمتع بشبابك، ويحفظ لك ولدك؟
بلا شك ستكون في قمة السعادة.
وهكذا كان رسول الله (ص) يدعو للمؤمنين بتلك الدعوات التي تغير حالهم، ويكثر خيرهم، ويتمتعون في أعمارهم، فقد روي أن عمرو بن الحمق الخزاعي (رضوان الله عليه) سقى رسول الله (ص) فقال (ص): اللهم متعه بشبابه.
فمرت ثمانون سنة لم يرَ له شعرة بيضاء (2).

النبي المتفائل
التفاؤل هو النور الذي يضيء لنا طريقنا في الظلماء، ويساعدنا أن نعيش حياة ملؤها المحبة، ويجعلنا نحقق أحلامنا وآمالنا، وأن ننظر للحياة بعيون عاشقة وحالمة بما هو أفضل بحياة كريمة هانئة كلها أنوار ورضا بقضاء الله وقدره، بعيدة كل البعد عن اليأس والتشاؤم.
وهكذا هو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد روي عنه: “تفاءلوا بالخير تجدوه”(3).
وجاء في كنز العمال: بعث رسول الله (ص) إلى عماله: إذا أبردتم إليّ بريداً (رسولاً) فأبردوه حسن الوجه، حسن الاسم. (4).

صناعة السرور والفرح
إدخال الفرح والسرور على قلوب المؤمنين هي من الأعمال المؤكدة، وهي من سمات الشخصية الإيجابية، وقد كان النبي الأكرم (ص) يبث حالة من الفرح والسرور في صفوف المسلمين، ويبدل تلك الأجواء المملة أو الجافة والمكفهرة إلى أجواء يسودها السرور، وقد روي أن النبي (ص): كان يمزح ولا يقول إلا حقًا (5) وكان يقول: “المؤمن دعب لعب، والمنافق قطب غضب” (6) كما أنه (ص) كان إذا حدث بحديث تبسم في حديثه (7).
وتأكد أن ابتسامتك هي بمثابة جواز سفر لدخول قلوب الآخرين، كما أنها تنم عن الصفاء الذي تتمتع به، ولذلك فإن ابتسامتك تريح نفوس من حولك، وتسعدهم.

تفقد الغائب
إن غياب هذا الخلق يشعر الإنسان بغربته، ويتولد لديه إحساس بتقصير المجتمع نحوه، وفي مقابل هذا نجد أن من يتفقد أحوال الناس يزدد في قلوبهم محبة وتوقيرًا، وهذا دأب رسولنا الكريم فقد روى أنس ابن مالك: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سئل عنه، فإن كان غائبًا دعا له، وإن كان شاهدًا زاره، وإن كان مريضًا عاده (8).

وهناك شواهد أخرى تنم عن تلك الإيجابية التي كان يتمتع بها الرسول الأكرم (ص)، وهكذا علينا أن نقرأ سيرته بهذه الكيفية لبناء مجتمع إيجابي، متطلع متفائل.


الهوامش:
(1) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1372
(2) الرسول الأكرم مدرسة الأخلاق، حسن مرتضى القزويني، ص 171
(3) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2353
(4) الرسول الأكرم مدرسة الأخلاق، حسن مرتضى القزويني، ص 174
(5) الرسول الأكرم مدرسة الأخلاق، حسن مرتضى القزويني، ص 137
(6) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة 2896
(7) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 1694
(8) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 4 – الصفحة 3224.



error: المحتوي محمي