اختار أن يكون مختلفًا في زمن تتشابه فيه ميول أغلب الأطفال، فعوض أن يلهو كغيره بالأجهزة الإلكترونية اقتطع الجزء الأكبر من وقته ليرافق آيات الله، ولم تكن الرفقة رفقة قراءة وتلاوة فقط، بل احتضن تلك الآيات في قلبه وذاكرته، حتى حاز نصيبه الأكبر من اسمه، بعد أن تعلق بحفظ القرآن الكريم، وعاش معه رحلة أطول من سنين عمره ليكون “مبارك” بحق، فذلك الطفل الذي لا تتجاوز أعوامه أصابع اليدين بل هي أقل منها بإصبعين، حفظ رغم صغر سنه تسعة أجزاء، وبدأ في حفظ الجزء العاشر.
مبارك والقرآن
يبلغ مبارك محمد أحمد آل مبارك الثامنة من عمره، ويدرس في الصف الثالث الابتدائي، وهو طفل وحيد عند والديه.
اكتشف أبواه موهبة الحفظ لديه قبل أن يكمل السنتين من عمره، بعد أن لاحظا أنه كان يحفظ الكلام سريعًا ويتحدث بفصاحة.
بدأت رحلة ذلك الصغير مع حفظ القرآن الكريم في سن الثالثة والنصف في مرحلة الروضة بقصار السور، أما فاتحة حفظه فكانت سورة الفاتحة، وفي السنة الأولى من الروضة كانت أولى مشاركاته في مسابقات حفظ القرآن الكريم، حيث حفظ سورة “البروج” وحصل على المركز الثاني.
وفي السنة الثانية في الروضة حفظ نصف سورة القلم وحصل على المركز الأول، وحظي عند دخوله المدرسة بإكمال حفظ الجزء الأول من القرآن الكريم وهو بعمر الخامسة والنصف.
في تراتيل صفوى
التحق مبارك بجمعية “تراتيل الفجر” التابعة لمركز “علم الهدى” الثقافي بصفوى، وهو في الخامسة والنصف من عمره، وقد كان ذلك متزامنًا مع التحاقه بالمدرسة، فقد ألحقه والداه بالمدرسة في سن مبكرة.
يحكي والده محمد آل مبارك: “بتوفيقٍ من الله وببركة القرآن الكريم لم يكن ابننا يحتاج جهدًا في تعليمه ولله الحمد، فقد كان سريع البديهة وذكيًا، وكذلك مميزًا في القراءة والكتابة، في هذه السن رشحه معلمه للمشاركة في تحدي القراءة العربي، وبالفعل استطاع قراءة 50 قصة، والحمد لله، استطاع سابقًا أن يوفق بين المدرسة صباحًا وحضور دروس القرآن في الدار عصرًا لمدة ساعة يوميًا”.
احتضان عائلي
وفرت أسرة مبارك بيئة محفزة ومشجعة له ليكمل خطواته في هذا الدرب، ورغم أن الأسرة بأكملها تقف خلفه للمضي في طريق القرآن الكريم، إلا أن أكبر داعم له عند حفظه الجديد أو فوزه وتأهله في المسابقات هو جَدِّهٍ (أبو حسين) عبد الله حسين المبارك.
وسعت الأسرة أيضًا لإشراكه في المسابقات وانضمامه لحلقات الحفظ، فإضافةً لجمعية “تراتيل الفجر”، ألحقه والده بجمعية “خيركم” بجدة، وجمعية “التحفيظ” بالمنطقة الشرقية.
نصيب أكبر لآيات الله
يحظى كتاب الله بالنصيب الأكبر من الساعات خلال يوم الطفل مبارك، فهو يحفظ صفحة من القرآن الكريم في النهار، ومن ثم يراجع ما يستطيع قبل النوم، أو العكس حسب تفضيله، يعلق والده: “حبه للقرآن يجعله أحيانًا يحفظ أكثر من ذلك”.
يوميات الطفل مبارك تشبه يوميات أقرانه كثيرًا، فوالداه لم يحاولا إبعاده عن عالم الطفولة، فما بين الدراسة واللعب يمضي ساعات يومه، يقول والده: “رغم أننا نترك له ساعات للعب، إلا أن ابننا مبارك لا يمتلك جهازًا لوحيًا، لكننا وفرنا له الألعاب المناسبة لعمره فهو يفضل ألعاب البناء والتركيب (Lego) والسيارات، أما في نهاية الأسبوع يلعب بساعات محدودة بجهاز بلاي ستيشن”.
ويتابع: “يمارس مبارك هوايات مختلفة يملأ بها وقت فراغه، ككرة القدم، ورياضة المشي، وركوب الدراجة الهوائية، أما الموهبة التي يمتاز بها فهي تكمن في قدرته على الحفظ السريع، وكذلك نباهته وفطنته، وهذا بشهادة معلميه”.
معلمون تعهدوا البذرة
نمت البذرة القرآنية المباركة لذلك الطفل على يد معلم القرآن المربي سلمان الداوود، حيث كان معلمه في المدرسة، وفي جمعية “تراتيل الفجر” التابعة لمركز “علم الهدى” أيضًا، وهو حتى الآن على تواصل معه، حيث يصفه والده بأنه يعمل بإخلاص وتفانٍ.
ويوضح محمد آل مبارك أنه في ظل أزمة الجائحة كان لجميع معلمي تراتيل الفجر الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في استكمال مبارك لمسيرته القرآنية، بدءًا من الداعم الأول المخلص والمحب للقرآن وأهله المعلم حسين آل إبراهيم، وكذلك المعطاء المعلم مؤيد الحميدي، مضيفًا أنه “في كل أسبوع يجود على الأشبال بعلوم التجويد وتصحيح القراءة، حيث إن طفلي حريص على حضور تلك الدروس، ومنها حصل على الفائدة الأكبر والأهم التي يحتاجها القارئ”.
ويتابع: “لا ننسى بقية المعلمين في حلقات الحفظ، ومنهم المعلم ثابت الكاظم، والمعلم كاظم الأسعد، والمعلم محمد الداوود والمعلم محمد الحسن، والذين كانوا بجانب طلابهم إما عن طريق برنامج زووم أو تطبيق مدَّكر”، مشيرًا إلى دور فاعلي الخير من المجتمع وكذلك بعض المجالس ممن تدعم المنجزين في المجال القرآني، كل ذلك ساعده في توفير ما يحتاجه.
مشاركات قرآنية
انخرط “آل مبارك” رغم صغر سنه في المشاركة بالمحافل القرآنية، سواء داخل حدود محافظة القطيف، أو أبعد منها وفي محافظة أخرى أو حتى دول مجاورة، فكان من بين مشاركاته؛ مشاركتان في دولة الكويت في مسابقة “آل يس” والمسابقة الخليجية عام 2019، ومسابقة “مزامير آل داوود” السادسة بالأحساء في نفس العام، وكذلك مشاركتان في مسابقة المجلس القرآني المشترك لعامي 2019 و2020.
وشهد عام 2020 عددًا من المشاركات منها؛ مشاركته في مسابقة “الفرقان” التاسعة عشرة في فرع الحفظ والتفسير فئة الصغار بمملكة البحرين، ومسابقة “الذكر الحكيم” السادسة عشرة بمملكة البحرين، والمسابقة السنوية للقرآن الكريم التابعة للهيئة الملكية بالجبيل، والمسابقة الإلكترونية التابعة لدار القرآن بالعتبة الحسينية في حفظ سورة “الحج”.
كتاب الله يتوجه بمراكز أولى
استطاع مبارك أن يحصد ثمار حبه للقرآن خلال أربع سنوات، فقد توّج بمراكز أولى في عدد من المسابقات، حيث حصد المركز الأول في مسابقة “اقرأ” الثانية عشر – فرع البراعم – في مملكة البحرين عام 2018، وفي عام 2019 نال عددًا من المراكز، منها: المركز الثالث في مسابقة المرحوم محمد العيسى “أبو فراس” الأولى بصفوى، والمركز الثالث بمسابقة المرحوم طلال أحمد بمركز باقر العلوم في مملكة البحرين، ثم المركز الخامس مسابقة أرحامي الأولى بصفوى، وأخيرًا المركز السادس في مسابقة اقرأ الثالثة عشر – فرع الناشئة – في مملكة البحرين.
وكان لعام 2020 النصيب الأكبر من الإنجازات، فقد استطاع أن يحقق المركز الثاني بمسابقة ترنيم الأشبال الأولى التابعة لمركز “إجلال” القرآني بالرياض، والمركز الرابع في مسابقة “أرحامي” القرآنية بصفوى، وأيضًا المركز الثاني في مسابقة المرحوم أسامة زيد الكاظمي التابعة لتقويم النبأ “هدى للناس 4” بدولة الكويت، والمركز الثاني في مسابقة المرحوم أسامة زيد الكاظمي التابعة لتقويم النبأ “هدى للناس 5” بدولة الكويت، وعاد ليتوج بالمركز الأول في المسابقة الحسينية لبرنامج الشبل الحسيني في فرع تلاوة القرآن بالجارودية.
وتوجّ بالفوز الأعظم في مسابقة دار القرآن بالعتبة الحسينية لحفظ سورة محمد الإلكترونية لعام 2020، وكان من ضمن إنجازاته أيضًا اجتياز اختبارات جمعية تحفيظ القرآن بالمنطقة الشرقية وجمعية “خيركم” بجدة من الجزء الأول إلى الثامن بتقدير ممتاز، كما تأهل للمرحلة الثانية بمسابقة التلاوة التي يقيمها المجلس القرآني المشترك التي تقام الآن 2021م.