كبار السن أُمِّيُّونَ من جديد – سلسلة خواطر متقاعد

قضيت يومين في ضيافة بناتي، وبما أني من الجيل الذين اشتعلت رؤوسهم شيبًا، ناديتُ سبطي، في الثانية عشرة من عمره، ليشغل جهاز التلفاز الذكي، وأتمكن من الوصول إلى القناة الوحيدة – أو تكاد – بين ركام مئات المحطات التلفزيونية. ولأنه لم يعد تشغيل تلك الأجهزة والتطبيقات الذّكية مجرد كبسة زِرّ واحدة على مفتاح واحد وانتهينا، لا بد من التعامل معها بطريقةٍ أو أخرى!

هذه الطفرة التكنولوجيّة والتطور التّقني الكبير والسّريع والمتنوّع التي نعيش أيّامها الآن وأصابت كلّ صغيرةٍ وكبيرة في حياتنا، لم يشهدها كبار السن من أبناء جيلي، هي خيرٌ لابد منه. وأن نعتاد عليها متأخرين أفضل من أن نخافَ منها ونتّكل على أبنائنا وبناتنا وأحفادنا الذين – قد – لا يجدون متعة في تعليمنا كيفية استعمال هذه التقنيات والتطبيقات أو إنجاز مهماتنا بدلًا عنَّا.

يبدو أننا – كبار السن – عدنا نحو الأميّة من الباب بعدما خرجنا منها من الشّباك. فليس فقط الذي لا يعرف القراءةَ والكتابة أميًا، بل من لا يستطيع قراءة تعليمات وكتيّبات التشغيل أو الاستفادة من تطبيق في هاتفه المحمول أو الحاسوب الآلي، فترى واحدنا يشتري أثمن وأحدث الأجهزة ثم لا يستطيع أن يستفيد من معظم ما فيها من ميزات، وقد لا يملك الصبر على التعامل معها.

على الرغم من صداقة هذه الأجهزة ولطافتها، إلا أنها تُجفلنا وتُخيفنا وهي تتمدد في كل حياتنا، والخوف أن يأتي يوم وتكون فيه العصاة التي نَتوكَّأ عليها ذكيّة أكثر مما ينبغي. فهي الآن – التطبيقات – في التعاملات الحكومية الملزمة، وفي السّفر والدّين والرّعاية الطبية والمصارف وفي حركتنا اليومية، والقائمة تطول!

فعلًا، هي تشعرنا بالاستقلال عندما نجيد التعامل معها والاستفادة منها. وقد تشعرنا بالعزلة والانفصال عن المجتمع ومواكبة متطلبات الحياة العصرية، إن لم نعرف استخدامها. وتبقى المعضلة أن أغلب هذه التقنيات لا يفرق بين مستخدمٍ متقدم في العمر وآخر في ريعان عمره وأبصر نور الحياة مع كلّ هذه الأجهزة الذكيّة والتّطبيقات في آنٍ واحد.

الآن، أصبح لزامًا علينا – كبار السن – أن نتعلّم كيف ننظم حياتنا بهذه التقنيّات الحديثة. كيف نتواصل مع رفقائنا، وكيف نحصل على مواعيد الطبيب، وكيف نرتب لسفرنا، وبقية شؤون حياتنا دون أن ننتظر حفيدًا أو حفيدةً لنا تعلمنا كيف نفعل ذلك!



error: المحتوي محمي