رحمَ الله أمّهاتنا وجدّاتنا – في يوم المرأة العالمي

رحم اللهُ جدّاتنا وأمّهاتنا فلم يكن لهنّ يوم ولا حتى ساعة من الراحة. عملنَ حتى انقطعت أنفاسهنّ، كل ذلك من أجل أن يزرعن ونأكل. عملن في كلّ حقلٍ من حقول الحياة؛ الزراعة والمنزل والأطفال والسوق، وكل ذلك تضحية لنا. وإلا فهنّ لم يأكلنَ من عسلِ الدّنيا وحلاوتها إلا النَّزر القليل التافه!

من يتأسف على الزمن الماضي لا يتذكر كيف كان صعباً وشاقَّا على النِّساء، ولم يرتحنَ قليلًا إلا بعد أن كبرنَ ودخلت في الحياة بعض التقنيات الحديثة. وإلا قبلها كان الماء معاناة والطّبخ مشقّة، وكانت تربية الأطفال تعباً وخدمة المنزل أذى. كان أكبر هم لهن أن تمر فترة الحمل بسلام، وأن يرى المولودُ النورَ حيًّا معافى، وأن يبقين أحياءَ بعد الولادة، فلا طبيبة ولا زيارات دورية ولا متابعة وفحوصات ما قبل الولادة!

أكاد أجزم أن أمهاتنا وجداتنا – عليهن الرّحمة – لم يذقن النومَ ليلة بعد طلوعِ الفجر، وذلك لأن دورة العمل تستغرق النهار كله بدءًا من ساعات الصلاة والإفطار ثم العمل حتى غياب قرص الشمس. وإن كان في اليوم راحة فهو لبعض الجلسات واللّمات، ذلك الوقت الذي كان يشحن أرواحهن بأحاديث المسرّات والأحزان. فلم يكن يومها وسيلة تواصل إلا الزيارات واللسان، لا هواتف ذكية ولا تطبيقات ثرثرة. وكان للفقر نصيب منهن أيضًا، فليس إلا الكَفَافُ وما أغنى عن النَّاس من الرِّزْق، من غير زيادة.

كل هذا لا يعنى أن النساء الآن أكثر راحة. ولعلهنّ في هذا العصر أكثر تعباً ونصباً ولكن من نوعٍ آخر، فللبيتِ نصيب وللزوج والأولاد نصيب، وللشغل بدوام رسمي كامل نصيب. فإذا كنتَ رجلًا فلا تشتكي من تعب الحياة لأنك لو عملت عمل المرأة يومًا واحدًا، سوف تعرف المعاناة، مع أن الرّجال ليسوا في راحةٍ تامة كذلك!

لهن – الأمّهات والجدات ـ اللاتي ولدنَ الحياة من أرحامِ المعاناة ولم يبخلن بالاحتضان والعطاء، وضربن أكبر مثل من أجل التّضحية وتظهير جيلٍ يأتي ويواصل السير، كلَّ شكرٍ وامتنان، والرجاء بأن يجزيهنّ الربّ الخالق أفضلَ الجزاء. فمن يرى نفسه كبيرًا أو ذا شأن فهو ثمرة من تلك الأشجار وغَرسة من تلك الغَرسات. ولتفرح النساء بأن قال فيهنّ أحدُ الأئمة (ع): “ما أظن رجلًا يزداد في الإيمان خيرًا إلا ازداد حبًا للنساء”.



error: المحتوي محمي