لم تجذبها ملابس الأميرات أو دور المعلمة كما هو حال قريناتها ممن لم تتجاوز أعمارهن الخامسة، بل كانت تتباهى بملابس الجراحين والأطباء، عاكسةً بذلك المعطف الأبيض حلمها في أن تكون عالمة، سيما بعد التحاقها بمقاعد الدراسة، ودخولها الروضة ثم المدرسة، فقد كان يوم المهنة من كل عام هو يوم فرح خاص بها، فيداها الصغيرتان لم تكن لتختطف زيًا آخر غير ذلك الرداء الأبيض الذي ترتديه كعالمة صغيرة تحلم أن يكون حلمها حقيقةً ذات يوم.
لم يكن “حلم العالمة” وحده رفيق أحلام الطفلة رقية عبد الرزاق الزراع، ففي عمر الرابعة طلبت من والديها أن تحصل على مجهر خاص بها، رغم أنها التحقت لتوها بالروضة، ولأنها تهوى رؤية الأشياء بحجم أكبر فقد حقق لها والدها حلمها بمجهر حقيقي خاص بها، ولطالما كانت تردد: “أنا عالمة باحثة ولستُ طبيبة”، وهي كما تصفها والدتها عزيزة حسين الراضي: “رقية باحثة منذ طفولتها، فهي تحب البحث في أصل الأشياء ولديها قدرة على الربط والتحليل”.
الحلم يتلوه حلم وكما كبرت في عمرها، كبرت أحلامها، حتى وجدت ابنة التاسعة نفسها ضيفةً في إحدى حلقات برنامج “العبقري الصغير”، وهو برنامج يقدمه الفنان يوسف الجراح، على قناة السعودية، ويعنى بتسليط الضوء على أطفال يتمتعون بقدرات ذهنية لافتة أو إلمام معرفي بمجال معين، وتتضمن كل حلقة مقدمة وفقرات مع المشتركين الأطفال.
البيولوجية الطفلة
تحب الطفلة “الزراع” علم البيولوجي، كما تجري العديد من الأبحاث وتدون معلوماتها وما توصلت إليه بتجاربها البسيطة المنزلية.
ودرست رقية مهارات القيادة في برنامج leader in me، الذي تلقته منذ عمر الرابعة في مدرستها وتميزت وبرعت فيه، ولديها شهادات فيه، كما أنها تتحدث اللغتين العربية والإنجليزية بكل طلاقة.
وتمتلك مهارات التواصل والقدرة على التعامل مع الشخصيات المختلفة، والتدريب المحكم منذ الطفولة على أساسيات تحديد الأهداف والتحكم في الانفعالات مثل برنامج العادات السبع 7Habits و7Habites of highly effective people، ولديها إجراء شخصي وتطبيق لبعض التجارب والحقائق المثبتة فيها وما توصلت إليه بنفسها كعالمة تشق أولى خطواتها على الطريق.
تركن رقية للقراءة عن أشهر علماء علم البيولوجي في العصر القديم والعلماء السعوديين في هذا المجال، كما تحفظ إنجازات ما يقارب 20 عالمًا ومعرفة صورهم وتحديد ماذا أضافوا لعلم البيولوجي، كما أنها تعرف معنى مصطلح البيولوجي تاريخيًا ومن هو أول من استخدمه، كما تحفظ معلومات كثيرة عن الخلية وتعريفها وعددها وأنواعها في الجسم البشري وبعض أنواع الخلايا وعملها، وأيضًا لديها إلمام بنظرية التطور والنشوء الأحيائي.
ويمكن لها أن تستخدم المايكروسكوب بكل براعة، وهي تعرف ما تعنيه المصطلحات الآتية وما هي وظائفها: cerebrum ،cerebellum Porphyrin ،Ferritin ،anabolism Antigen Medulla oblongata.
طفولة بين تضادين
عاشت أسرة الطفلة رقية مرحلتين متضادتين بالنسبة لطفلتهما، ما بين خوف من تأخر نطقها، ثم انطلاقة وفصاحة في عمر صغير جدًا، فقد كانت طفلة هادئة للغاية، ولم تنطق أبسط الكلمات التي ينطقها أي طفل في بداياته حتى أبسطها مثل كلمة بابا أو ماما أو دادا، حتى انتاب والديها الخوف وذهبا بها إلى طبيب أطفال لمعاينتها وأخبرهما الطبيب وقتها أنها لا تعاني من أي شيء.
نطقت الطفلة أولى كلماتها في شهرها السابع وكانت “بابا”، إلا أن أسرتها لم تسمعها منها كثيرًا إلا حين بلغت عمر السنة والنصف تقريبًا، وهنا بدأت النطق بلسان فصيح متقن وكانت تردد ما تسمعه بفصاحة واضحة من حيث مخارج وأصوات الحروف.
استكشاف في الدمى
كبرت الطفلة وكبر حبها للتعلم، فحينما كانت في الحضانة، وسمتها ملاحظات معلماتها بأنها طفلة لا تحتاج الكثير من الجهد لتتعلم، بل إنها منذ عمر مبكر فرضت على والديها الذهاب مع أختها الكبرى إلى نفس المدرسة، ومنها بدأت والدتها تقرأ مهاراتها من بين السطور.
وبجانب حبها للتعلم، لم تكن تركن للعلب مع أقرانها، تقول والدتها: “كنت أقلق وأخاف عليها كثيرًا، لأنه في كل عام دراسي تصلني الشكوى المعتادة؛ رقية لا تخالط أقرانها، ولا تلعب معهم في وقت اللعب، إنما تفضل أن تجلس مع المعلمة تشاركها وجبة الفطور وتتجاذب معها أطراف الحديث”.
وتضيف: “حين تعود من المدرسة وأبدأ في الحديث معها لأعرف أسباب ذلك، تكون إجابتها: ماما، إنهم أطفال، وإن قلت لها أنتِ طفلة كذلك، تكون إجابتها لا أعلم، لكنني لا أريد اللعب معهم، إنهم يتحدثون كالأطفال ويسألون المعلمة أن تساعدهم في كل شيء”.
تكررت نفس الشكوى من معلماتها في كل عام، إلى أن وصلت للصف الثالث الابتدائي، وبدأت تستغل وقت الراحة في المشي أو القراءة أو محاولة التأقلم مع أقرانها.
أما عن علاقتها بالدمى كالفتيات الصغيرات في ذات العمر، ذكرت والدتها أنها كانت تحب الدمى كثيرًا، لكنها لا تمتلك ولا دمية بحال جيد، فمنذ طفولتها وهي تحاول تفكيكها والتعرف على ما في داخلها وكيف صُنعت.
سبقت عمرها
تفوق رقية العلمي في نظر والديها كان يشبه تفوق أختها وأخيها، ولم يكن الوالدان يلتفتان إلى أنها تتميز عنهما بنسبة ذكاء، أو سرعة تعلم، حتى فاجأهما اقتراح من روضتها في أن يلحقاها ببرنامج التسريع.
تحكي والدتها لـ«القطيف اليوم»: “كوالدين كنا معتادين على مستوى معين لأطفالنا منذ صغرهم، فأختها الكبرى وأخوها يشبهانها من حيث المستوى، ولم نكن نعي جيدًا أن صغيرتنا رقية مختلفة عنهما، حتى التحقت في عمر مبكر بالحضانة ومن ثم الروضة وبعدها المدرسة، وكانت سابقة لأقرانها في جميع مراحل التعليم، فكان من الطبيعي جدًا أن يتردد على مسامعي أن ابنتي متفوقة دراسيًا، وكانت معلماتها دائمًا يقلن لي إنها طفلة مختلفة، إلا أنني لم أكن آخذ كلامهن على محمل الجد”.
وتمضي في حديثها: “وقبل التحاقها بالصف الأول الابتدائي وتحديدًا في عمر الرابعة، وردني اتصال من روضتها أكدت لي فيه إدارتها أنه باستطاعة ابنتي الانتقال للصف الأول دون الحاجة للمرحلة التمهيدية، حيث إنها مؤهلة لذلك، وفي آخر يوم من العمر الاستثنائي، وقتها رفضت ذلك لأنني أردت لابنتي أن تلتحق بصفوف مناسبة لعمرها ولا أريد لها أن تدرس مع من هم أكبر منها سنًا، وكنت على يقين تام أنها ستشرق يومًا ما، وتكشف عن نفسها وتتعرف على ذاتها، كما كنت على يقين أنها سوف تُسمع الأصم وسوف ينظر الأعمى إلى موهبتها، لكن في الوقت المناسب”.
اختيرت “الزراع” في عمر الخامسة للمشاركة في مسابقه spelling bee في مدرستها، كما اختيرت للمشاركة في تحدي القراءة وهي في عمر السابعة في المدرسة.
فضول علمي
بدأت تلك الطفلة تعتمد على نفسها في البحث عما يشبع فضولها العلمي، هي من تبحث وتقرأ، ثم تخبر والدتها عما قرأت، وغالبًا لم تكن الأم تفهم ما تتكلم فيه أو عن تفاصيل ما وجدته ابنتها خلال القراءة، تقول: “هي تتمتع بقدرة تفوق فهمي، ربما لأنها من جيل له طابع مختلف عنا، ففي بعض الأحيان أطلب منها شرح ما تقول وتبسيطه لي، لأنني لا أستطيع فهمه، ويبدو لي كلامًا غير مفهوم أو معقدًا”، مضيفةً: “كانت معلماتها من غير حصر في كل مرحلة دراسية يلاحظن عليها القدرة الواضحة في الربط والتحليل والمنطق والحديث على أسس علمية”.
كما تحب رقية البحث في الإنترنت، فهي تقضي ساعات باحثة عن معنى كلمة أو أصل اختراع لأحد العلماء، كما تحب تربية الحيوانات، وتحب العزف على القيثارة والبيانو، كما تهوى اكتشاف خلطات للطعام وتجيد خبز الحلويات بإضافات تبتكرها بنفسها.
المستقبل بعين طفلة
بعين طفلة، تنظر رقية لمستقبلها، لكنها تحاول أن تتوسع في تلك النظرة، أن تبتعد بها إلى أبعد من أن تكون مجرد معلمة أو طبيبة، تقول تلك الطفلة: “حلمي عندما أكبر أن أجعل حياة البشر أسهل، وأنه عندما يكتب اسمي في جوجل يجده من يبحث عنه ضمن العالمات السعوديات”.
وتضيف: “حلمي ليس لـ رقية عندما تكبر فقط، بل أنا الآن في هذا العمر مستعدة للمشاركة في المعارض العلمية التي تقام داخل أو خارج المملكة، سيما تلك المخصصة للعلوم والتحدث باللغتين العربية والإنجليزية، كما أنني على استعداد لتعليم الطلاب الصغار كيفية اكتشاف مواهبهم وكيفية الوصول لأهدافهم”.
وتتابع: أحلم أيضًا أن أشارك في إعداد مختبر علوم ترفيهي يقوم على أساس التعليم العلمي البحت باللعب، كما آمل أن تنال هذه الفكرة استحسان الهيئة العامة للترفيه، فأنا أجد في الهيئة ممثلة في رئيسها تركي آل الشيخ نافذةً لتحويل الترفيه إلى أبعد من فكرة اللعب فحسب”.
تكرر رقية عبارة الدكتور الشهير د. سوس: The more that you read. The more things you will know. The more that learn. The more place you’ll Go، وتعني كلما قرأت أكثر سوف تتعلم أكثر وكلما تعلمت أكثر ستذهب بالمعرفة وتصل إلى علوم واكتشافات أكثر وأكثر.
عن عائلتها
والدها هو عبد الرزاق الزراع، حصل على شهادة الدبلوم في الإلكترونيات الصناعية، ومهتم بالطب البديل والأعشاب، وهو ما برع فيه وانكب عليه لأعوام عديدة، حيث كان هاويًا لتجميع الأعشاب من مختلف الدول واختبار تأثيرها ونجاحها في علاج الأمراض، ولذلك أنشأ عمله الخاص فيه في مجال الأعشاب والطب البديل، وله الكثير من الوصفات العلاجية لعلاج الأمراض باستخدام الأعشاب والطب البديل، ويملك متجرًا متخصصًا في الأعشاب واستيرادها من مختلف المناطق وتوفيرها منذ أكثر من 20 عامًا.
والدتها تخصصت في علم الفيزياء وحصدت المركز الثالث ومرتبة الشرف في الفيزياء من كلية العلوم، وحصلت على شهادة محمد بن فهد للتفوق العلمي آنذاك، وبرعت كذلك في علوم الحاسب الآلي، وتعمل حاليًا مع شركة أرامكو السعودية كاختصاصي نظم معلومات.
لها أخ “حسين”، يبلغ 4 سنوات وأخت “الكوثر” تبلغ من العمر 13 عامًا، موهوبة في علوم الفضاء وتعتقد أنه يجب ربط العلوم ببعضها البعض واستخدام الذكاء الصناعي وتسخيره لخدمة الإنسان والتوصل لحلول تكنولوجية وعلاجات للأمراض.
كذلك موهوبة في الرسم الحديث Digital drawing، وقارئة نهمة جدًا ومطلعة ولديها مكتبتها الخاصة بما يزيد على 300 كتاب، ولديها خلفية لغوية عالية في اللغة الإنجليزية.
الحلقة الخاصة بالطفلة رقية الزراع في برنامج “العبقري الصغير”