أبو أحمد.. أثناء انتظار طلبه في أحد المطاعم تفاجأ بسيارة المطعم وهي تنزل لحومًا مجمدة مجهولة المصدر إلى داخل المطعم من خلال الباب الخلفي، في وقت أن المطعم يوهم الزبائن بأن اللحوم طازجة ومحلية الذبح.
هنا ثارت حمية أبو أحمد فقام برفع هاتفه وتصوير ذلك ونشر مقطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحذر الناس من غش هذا المطعم.
بعد أيام، تفاجأ أبو أحمد باستدعاء من النيابة العامة ومن ثم المحكمة على خلفية اتهامه بجريمة “التشهير”، والتي قام برفعها عليه صاحب المطعم! رغم أن أبو أحمد حسن النية، ورغم أن المطعم أدانته المحكمة بالغش على المستهلكين وتم معاقبته على ذلك.
وفي قصة أخرى، فتاة تعرضت للتحرش أثناء قيادتها السيارة على الطريق فقامت بتصوير المتحرشين ونشر المقطع على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم القبض على المتحرشين، لكنها تفاجأت بأن محامي المتحرشين قام برفع دعوى تشهير عليها مطالبًا بتعويض موكليه إزاء قيامها بالتشهير بهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفضحهم!
نعم عزيزي القارئ، رغم أن هذه القصص أمثلة وليست حقيقية، إلا أنها متكررة الحدوث في حياتنا اليومية، فالكثير يقعون دون قصد مذنبين رغم أنهم ضحايا فتنقلب الأمور عليهم، دعونا نسميها جريمة “حسني النية”.
كان خطأ أبو أحمد والفتاة في كونهما تجاوزا حقهما وقاما بالتعدي على النظام الذي يمنع وبشدة التشهير بالآخرين وإساءة سمعتهم مهما أحدثوا من أمر، فعندما تشهر بشخص حتى لو كان مجرمًا أو مخالفًا فهو قادر على أخذ حقه الخاص منك قضائيًا إزاء تشهيرك به، كذلك فالنيابة العامة تقوم بطلب الحق العام والذي تصل فيه العقوبة إلى السجن لمدة عام وغرامة تصل إلى نصف مليون ريال حسب نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
وقد عرف النظام جريمة التشهير بأنها إلحاق الضرر بالآخرين عبر وسائل وتقنيات المعلومات المختلفة، ومن ذلك تصويرهم ونشر ذلك بقصد الإساءة أو الاستنقاص أو التشويه، ومنها أيضًا تصوير ونشر المحادثات الإلكترونية بما تحتويه من كلام وأحاديث.
إذًا، هل عندما نرى أو نتعرض لخطر أو جريمة نسكت؟ بالطبع لا، ولكن لا نقوم بمواجهة الخطأ بخطأ، بل نلجأ إلى جهات الاختصاص مع احتفاظنا بالأدلة والقرائن، فلو قدم أبو أحمد شكواه إلى البلدية جهة الاختصاص مباشرة وأرفق التصوير لهم ولم يقم بنشره في مواقع التواصل لسلم من عقوبة التشهير، ولو اتجهت الفتاة للشرطة بالتصوير لكفاها ذلك عن وقوعها كمذنبة بعد أن كانت ضحية.
والحكمة من تجريم التشهير، ذلك أن التشهير عقوبة كالسجن والغرامة ولا يجوز إيقاعها على أحد إلا بأمر قضائي، كما لا يجوز لك أن تحبس من قام بالاعتداء عليك، بل تلجأ للجهات المختصة لأخذ حقك، فكذلك التشهير فهي عقوبة لا يمكنك إيقاعها على أحد فلو أوقعتها على أحد تكون قد أذنبت.