ترتكز كثير من التعاملات بين البشر على خلق الحالة الإيجابية التي تدلل على التخلق بالأخلاق العالية، وتعمل على تربية الذات، ورفع سوء الظن، وردم الفجوات بين المؤمنين، وتزيد من وشاج المودة بين الناس والأرحام، ومن تلك القواعد الأساسية التي أشار أهل البيت عليهم السلام الحديث: احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير، وقولهم عليهم السلام: كذب سمعك وبصرك عن أخيك.
فالذي يطمع في التشبث بهذه القاعدة السلوكية بحذافيرها يتوجب عليه وضعها على قائمة أولوياته وتعاملاته ومناسباته، بغض النظر عن ماهية الأشخاص وعلاقتهم به.
لكن مع الأسف الشديد أن بعض المؤمنين -هداهم الله- في كثير من المواقف والمناسبات يبرر لشخص ما بل يستميت ليجد له عذراً كونه لم يشاركه أو يحضر مناسبته، لماذا؟! لأنه يميل إليه، أو حريص على علاقته به، أو يخاف أن يوجّه له عتابًا أو ما شابه.
بالمقابل يشتاط غضباً وتشدداً على شخص ما حتى لو كان له عذراً أو لم يكن له عذراً لأنه لم يشاركه أو يحضر له مناسبته! لماذا؟! لأنه لا يرتاح إليه، أو يتحين الزلة عليه.
قد يقول قائل: إن من حق المؤمن على أخيه أن يشاركه في أفراحه وأتراحه، خاصة بوجود علاقة قربى أو صداقة، بل إن المشاركة هي من دلائل على المودة والمحبة، خصوصاً في مواقف الشدة، فنقول: نعم، لكن بغض النظر عن ذلك، هل لذلك الشخص من عذر أم لا؟ فسلوكه دلالة على مستوى أخلاقه، وصنيعه مناط به لا بغيره.
وقائل يقول: أنا لست محتاجاً له، حضر أم لم يحضر، وهو ليس بأحسن مني!، فإذا لم يحضر مناسبتي، أنا لن أحضر مناسبته. وهكذا!. ونقول: نعم، أنت لست محتاجاً له، لكن العقل والدين يقول: إن تبادل القطيعة بالوصال، وإن قيل تنازلاً منك!، فالله معني بنيتك في عملك لا عن ظن الناس بصنيعك.
لذلك ورد في دعاء مكارم الأخلاق عن الإمام زين العابدين عليه السلام: وَأَبْدِلْنِي َمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، وَمِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحِيحَ الْمِقَةِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ.
أعتقد أن العمل بهذه القاعدة الإيمانية تصعب على كثير من المؤمنين والمؤمنات، فالذي يريد أن يربي نفسه، ويعمل بأخلاق يرتضيها ربه، عليه أن يخلق لغيره عذراً وإن لم يكن له عذراً، بل قد تزيد عليه في النزول إلى الحضيض إذا قررت أن تتعامل معه بنفس المنوال الذي تعامل معك، وتذكر دائماً: إن ربحك مرهون بأخلاق يرتضيها ربك، وخسارتك مناطة باتباع هوى نفسك.