القولون العصبي في الميزان الغذائي.. المشكلة والحل!

أصيب بداء العصر “القولون العصبي”، فبعد إصابته بالقولون لم يكن أثر ذلك أرقاً فقط، بل تحولت حياته رأساً على عقب إلى متاعب ونكد، فهو دائم الخصام مع زوجته كي لا تكثر من الزيت في الأكل، وألا تستعمل السمن في الطبخ بتاتاً؛ رغم حبه القديم للسمن البري، ومنع نفسه من تناول القهوة والشاي وأي شيء يدخل في تركيبه مادة الكافيين ونحوهما، لأن مادة الكافيين تهيج القولون العصبي عليه، وتسبب له متاعب، وقبل أن يصاب بالقولون العصبي كان يضرب المفطح ويلحقه بإبريق شاهي، وقد يسبقهما دلة قهوة مبهرة بكل ما يهيج القولون العصبي!!

أطرق اليوم موضوعاً ليس بجديد، فقد سبق طرحه عبر هذا الموقع تحت مسمى “أوقفوا الملينات القرار الصائب!”، والذي تطرقتُ فيه عن “الإمساك” وكتبت عنه بشيء من التفصيل، ويمكن لنا أن نقول بأن الإمساك واحد من مشكلات العصر الحديث، مشكلة يعاني منها الكثير من الناس ولها مضاعفات خطيرة في حالة إهمال العلاج، وأسبابها متعددة، فقد يكون سبباً دوائياً أو نفسياً أو معوياً أو غذائياً.

لا شك أن طرح الموضوع من جانب آخر لا يجلب حتماً قدراً من التكرار، إنما يعطي مزيداً من المعالجة ليصبح بعد ذلك أكثر فائدة بعد مقاربة المشكلة والحل!

فالقولون العصبي بات الشغل الشاغل لكثير من الناس، ناهيك عن المتاعب المزمنة التي نال منهم البلاء، فحرموا من متعة الحياة.

• القولون العصبي (IBS): لا يوجد له اسم طبيعي ولكن يعرفونه على أنه حالة اعتلال في التوازن الطبيعي للجسم أدى إلى توتر الأمعاء، وهو أحد أمراض الجهاز الهضمي وأكثرها شيوعاً وخطورة في وقت واحد، وقد لوحظ أن الأشخاص المصابين بهذا المرض قد أصيبوا في مرحلة ما من مراحل حياتهم ببعض الاضطرابات النفسية والانفعالات الشديدة.

متلازمة القولون العصبي عبارة عن اضطراب مزمن في وظيفة القناة الهضمية خاصة الأمعاء الغليظة “القولون”، ينتج عنه انتفاخ وآلام في البطن، غالبًا ما تكون في أسفل البطن، اضطراب التبرز فيعاني المريض إما من إمساك شديد أو حالة تشبه الإسهال، وتتقلب الحالة عند معظم المرضى بين الإمساك والإسهال من وقت لآخر، وشعور بعدم الارتياح بعد الخروج من الحمام، حيث يشعر المريض أن الفضلات لم تخرج كلها من بطنه، لكن توجد أمراض كثيرة غير القولون العصبي قد تؤدي إلى مثل هذه الأعراض، والطبيب وحده هو الذي يستطيع تشخيص مرضك بعد المعاينة وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة.

هذه المتلازمة لا تنتج عن أي خلل مرضي، أي أن أعراضها ليست بسبب التهاب أو جراثيم أو أورام أو غير ذلك وإنما هي ناتجة عن تقلصات واضطراب في حركة الأمعاء.

ومن أهم سمات هذا المرض أنه مزمن ومتكرر، أي أنه غالبًا ما يستمر مع الإنسان لسنوات طويلة، وتتردد الأعراض فتزداد في فترة معينة، وتخف في أخرى أو تزول لفترة معينة، وتعود وتظهر فيما بعد.

وتزداد الأعراض مع القلق واضطراب الحالة النفسية، بينما تتحسن في فترات استقرار الحالة النفسية.

لكن الأعراض لا تظهر كلها عند جميع المرضى، فقد يعاني أحد المرضى من معظم هذه الأعراض بينما مريض آخر يعاني فقط من بعضها، فلكل مريض نمط معين من الأعراض تتكرر عنده من وقت لآخر.

فإذا كنت تعاني من آلام القولون وتنتابك حالات الأرق والصداع وآلام في البطن وغازات وانتفاخ، وقد يحدث إمساك وإسهال وتقلب ما بينهما، ولا تعرف سبباً لهذه المتاعب، رغم خضوعك للفحص والتحاليل الطبية والتزامك بتعليمات الطبيب، فقد تكون مصاباً بأحد الأمراض النفسية، أو أنك تعاني من بعض الضغوط الحياتية التي تحفل بها الحياة العصرية وتؤثر في وظائف الجسم والتي امتدت إلينا جميعاً، فأصبحنا بحق نعيش عصر الأمراض النفسية.

قد تساعد بعض السلوكيات الغذائية في التخفيف أو العلاج من اضطراب القولون العصبي مثل تناول الأغذية الغنية بالألياف، وشرب كمية جيدة قدر الإمكان من السوائل، وتناول كوب من الماء عند الاستيقاظ صباحاً يُعد عادة مرغوبة لأنه يلين الجهاز الهضمي ويمنع أو يقلل الشعور بالإمساك.

يحتاج علاج تهيج القولون إلى ثلاثة أمور مهمة هي:
أولاً – تغيير النظام الغذائي: إن بعض الأطعمة والمشروبات قد تؤدي إلى زيادة في تهيج القولون ومنها:
– الأطعمة المقلية أو الغنية بالدهون.
– منتجات الألبان مثل الجبن، البوظة أو الشوكولاتة.
– المشروبات الغازية.
– المشروبات المحتوية على الكافيين مثل القهوة والشاي.

لكن لا يوجد غذاء محدد يزيد من حدة المرض أو يقلل منها، فالمريض في هذه الحالة هو طبيب نفسه في معرفة الأطعمة التي تناسبه.

وحتى تتعرف على الأطعمة التي تؤدي إلى الزيادة في أعراض تهيج القولون حاول أن تعرف ما أكلته خلال اليوم، والأعراض التي ظهرت نتيجة ذلك، وبهذه الطريقة تعرف نوع الغذاء الذي يؤدي إلى ظهورها وبالتالي يتم تجنبه.

وهناك أطعمة كالألياف ربما تقلل من الإمساك المرتبط بتهيج القولون، ومع ذلك فإن بعض الأشخاص الذي لديهم حساسية شديدة في أعصاب القولون قد يشعرون بالانزعاج وزيادة في الغازات بعد إضافة المزيد من الألياف في وجباتهم الغذائية.

وقد تسبب الوجبات التشنج والإسهال لدى مرضى تهيج القولون، وفي هذه الحالة يفضل تناول الطعام على أربع أو خمس وجبات صغيرة في اليوم بدلًا من الوجبات الكبيرة.

أشارت الدراسات إلى وجود علاقة بين انتشار سرطان القولون وبين زيادة تناول الأغذية قليلة الألياف، فقد أعلن الأطباء والعلماء العاملون في المعهد الأمريكي للعلوم والصحة (ACSH) أن سرطان القولون يمكن الوقاية منه بنسبة 80% عن طريق تغيير أسلوب حياة الفرد، ويقول رئيس المعهد إنه وبدون إجراء وقائي عاجل فإن واحداً من كل 17 من الأمريكيين معرض للإصابة بهذا الداء العضال، وقد أصدر المعهد عدة توصيات في كتيب صغير يسمى “سرطان القولون” من ضمنها تأثير الفواكه والخضراوات في تقليل حدوث سرطان القولون أقوى من أثر ألياف الحبوب الصيدلانية.

وتكمن فوائد الألياف الغذائية في عدد من الأمور منها: أنها تساعد على حركة الأمعاء وإخراج الفضلات وتقليل بقاياها في الجسم، وهذا يحول دون الإصابة بالإمساك أو سرطان القولون “لا قدر الله” عند من هم مؤهلون لذلك.

ثانياً – الدواء والمستحضرات الصيدلانية: هناك الكثير الكثير من الأدوية، التي لها أثر سلبي يقود في نهاية الأمر إلى الإصابة بالإمساك؛ ومن هذه الأدوية مضادات الحموضة، وعلاج الاكتئاب، ومدرات البول، وغير ذلك، كما يؤدي استعمال الأدوية بكثرة إلى بعض المشاكل كخسارة قوة عضلات الأمعاء.

اختلال بيئة القولون نتيجة الإكثار من المضادات الحيوية هذا يؤدي بدوره إلى اختلال في نسبة البكتيريا الصديقة “فلورا” التي تستوطن القولون، ما أعطى للبكتيريا الأخرى وربما الفطريات فرصة لزيادة أعدادها وبعد سنوات من الإساءة للقولون قد يتحول في نهاية المطاف إلى سرطان.

ثالثاً – الاضطرابات النفسية: تؤثر الاضطرابات النفسية والانفعالات الشديدة أثراً بالغاً على الجهاز الهضمي بشكل عام وعلى الأمعاء بشكل خاص فتصاب بالضعف والوهن، مما يؤدي إلى إعاقتها عن القيام بحركاتها ووظائفها الطبيعية، ومن ثم حبس الفضلات فيها وعدم إخراجها بشكل طبيعي.

من أهم الإرشادات التي تفيد مرضى القولون العصبي التخلص من الضغط النفسي والتوتر، ولهذا فعلى الذين يعانون التوتر أن يتعلموا وسائل الاسترخاء، وممارسة النشاط البدني، والصوم، وهناك أحاديث نبوية شريفة تنصح بعدم ملء المعدة، وجعل ثلث المعدة للأكل، والثلث للشراب، والثلث فارغًا، ولذلك يرتاح المرضى في شهر رمضان نتيجة التخلص من التوتر بالراحة النفسية ولتنظيم الأكل، لكن بعض الحالات تزيد سوءًا لقضاء نهار رمضان في النوم والكسل وتناول كميات كبيرة من مختلف أنواع المأكولات والحلوى من المغرب حتى السحور.

إذن، كثرة الأكل أو ملء المعدة ضارة بالصحة وتؤدي إلى القولون العصبي.

يفضل دائماً أن تكون عملية الإخراج كل يوم بشكل طبيعي، دون الحاجة إلى استعمال أدوية وعقاقير، فبعد كل وجبة غذائية، هناك حركة طبيعية تصدر عن الأمعاء الغليظة لحث القولون على التخلص مما فيه من فضلات، ينصح دائماً بأن يتجاوب الإنسان مع هذه الحركة وألا يعمل على تغيير مواعيدها.

إن لجوء مريض القولون العصبي إلى استعمال الملينات تمنع الأمعاء من القيام بوظائفها الطبيعية.

لا شك أن الملينات المأخوذة من الطبيعة أقل ضرراً من تلك المصنعة كيميائياً، فعمل الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة هو القيام مقام الأدوية الملينة والمفرغة للأمعاء، بينما نرى أن الإفراط في استعمال المستحضرات الطبية يضر بالأمعاء أبلغ الضرر ويُعجزها – مع مرور الزمن – عن القيام بوظائفها على الوجه الأكمل، وهناك مليّنات من طب النباتات والأعشاب مثل جذور الهندباء، ومشروب عرق السوس، وحب الرشاد، ونبات السّنامكي أو ما يعرف محلياً بالعشرق يستخدم منقوعه كشربة سنوية لتنظيف الجهاز الهضمي، وكدواء مضاد للإمساك.

كما أن الغسول الشرجي، وهو يشبه غسيل المعدة المعروف ولكنه أقل إيلامًا للمريض، يفيد في علاج بعض أمراض القولون، ويتم بشكل دوري بهدف تنقية الأمعاء من بقايا الهضم التي تتراكم فيها.

مع ملاحظة أن من أسباب الإمساك والغازات سوء التغذية أو تناول أغذية تسبب الإمساك أو الغازات والانتفاخ، فضلاً عن عادات غذائية غير صحية مثل الإفراط في تناول الطعام، فتتعرض المعدة للتشنج وعدم القدرة على الهضم، وهذا الأمر يتم علاجه بتناول الأعشاب والنباتات الطبية، مع الاهتمام بتصحيح العادات الخاطئة واختيار الغذاء الصحي المناسب.

الحقيقة تدعونا إلى إعادة النظر في قائمة غذائنا وسلوكياتنا الغذائية لمقاومة أمراضنا وتغذية عقولنا وأجسامنا، فمعروف علمياً أن احتواء الوجبة الغذائية على نسبة عالية من الألياف له أثر في تنظيم وظيفة الأمعاء وحركتها مما يترتب عليه سرعة التخلص من فضلات الجسم وقلة مدة نواتج فضلات الغذاء داخل الأمعاء، وكذلك فإن قدرة الألياف الطبيعية على امتصاص قدر كبير من الماء تعطي قواماً طرياً لفضلات الغذاء مما يسهل التخلص منها دون حدوث حالات الإمساك.

المشكلة أن هذا المرض ليس له علاج طبي، لأن ما يعانيه المريض من انتفاخ وغازات وسوء هضم ومخاط في البراز وإسهال وإمساك، كل هذا تسببه كمية الطعام ونوعيته والأكل مرة واحدة وبكمية كبيرة أو تناول نوع واحد من الطعام حتى لو كان مسلوقاً قد يكون سبباً لإثارة القولون العصبي.

قليلاً كان الهضم أسهل، والامتصاص أفضل، وبواقي الطعام قليلة، ولا تؤثر على القولون، بينما ينقلب الحال عندما يكون الطعام عسير الهضم أو مضافاً إليه توابل وبهارات، وبسبب عدم مضغ الطعام جيداً، وكلما كان الطعام كثيراً فإن فضلاته تكون كثيرة، وسريعاً ما تتخمر وتتعفن داخل القولون وتخرج منه غازات كثيرة تعمل على التهاب الغشاء المخاطي للقولون فتزيد كمية الغازات في البطن ويحدث صوت مما يزيد من قلق المريض وألمه.

هذه السلوكيات الخاطئة في نظام حياتنا الغذائي، لها ضرائب وأثمان ندفعها من صحتنا الجسدية والنفسية، ولن تتركنا إلا بانعكاسات خطيرة، كونها لا تهضم بسهولة وتتعب المعدة وتسبب أمراض مستعصية.

لذلك ننصح المرضى باتباع الآتي:
– عدم ملء المعدة بالطعام والمضغ جيداً والأكل في هدوء.
– عدم أكل المسبك والمحمر والحريفة والمقليات المشبعة بالدهون واللحوم الحمراء نهائياً.
– طهو الطعام بطريقة السلق سواء كان لحماً أم خضاراً.
– تناول الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبقوليات لأنها غنية بالألياف الغذائية.
– تنظيم مواعيد الفطور والغذاء والعشاء.
– الصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
– الامتناع عن التدخين.
– الهدوء والراحة النفسية.
– ممارسة النشاط البدني.
– الفحص المنتظم قد يؤدي إلى تخفيض حالات سرطان القولون بنسبة 50% أو أكثر.

ارفع نسبة الألياف في غذائك وإياك والبعد عن الخضار والفواكه، فإن من مشاكل القولون العصبي، قلة تناول الألياف التي تفتقر إليها موائدنا، فاحرص على وجودها على مائدتك.

علينا فعلاً مراجعة عاداتنا الغذائية بصورة جادة، فتغيير النظام الغذائي للمريض يساعد في العلاج.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي