قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود}.
يتحدث التاريخ في تسلسله الزمني وعلى صفحاته عن العديد من الشخصيات والظواهر الطبيعية التي ارتبطت بهم وتذكر بين الناس وكأنها حدثت قبل بضعة أيام، وبالأخص إذا كان لها دليل مرتبط بالخالق سبحانه وتعالى لأن العقل البشري في بعض الأحيان يعجز عن استيعابها والتفكير في سبب حدوثها ووقتها.
وأغلب هذه الشخصيات كانت من الأنبياء أو الرسل “سلام الله عليهم” أو من الأولياء، ومن أهم وأبرز وأعظم ما تسرده الوقائع ويذكره التاريخ من هذه الظواهر قبل البعثة النبوية لرسولنا الأعظم صل الله عليه وآله وسلم بنحو العشر سنوات، أن يولد وليد هو الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام”، في جوف البيت الحرام الذي يعظمه ويقدسه العرب ويعتبروه مكاناً آمناً يلوذون فيه من قبل أن يكون القبلة للمسلمين.
وهي فضيلة وإرادة إلهية خص بها ابن عم حبيب الله ورسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه الوحيد الذي نال شهادة التكريم بالفضل والكرامة والرفعة، فهذا قدر وتقدير من إله الكون سبحانه وتعالى بدأ منذ أن وصلت السيدة الجليلة فاطمة بنت أسد والدته إلى جوار الكعبة المشرفة وهي حامل في شهرها التاسع وناجت ربها بقولها: “رَبِّي إِنِّي مُؤْمِنَةٌ بِكَ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ مِنْ رُسُلٍ وَكُتُبٍ وَإِنِّي مُصَدِّقَةٌ بِكَلَامِ جَدِّي إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ… فَبِحَقِّ الَّذِي بَنَى هَذَا الْبَيْتَ وَبِحَقِّ الْمَوْلُودِ الَّذِي فِي بَطْنِي لَمَّا يَسَّرْتَ عَلَيَّ وِلَادَتِي}.
إنها من كانت أماً حنوناً عطوفةً على سيد الكائنات كما هو زوجها ابي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنه وليد الكعبة الشخصية الاستثنائية المكرمة، علي بن أبي طالب “عليه السلام”.
إن هذا الحدث المتوج بمعجزة ربانية جاء لإعداد هذا المولود ليكون الأخ والعضد الذي سوف يكون موضع سر الهادي الأمين، وملازماً كفواً ليمضي رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله وسلم) في نشر دعوته ليبقى نور الدين الإسلامي خالداً مضاءً في الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد وضح وبين نبينا الأكرم لٍما تمت هذه الولادة في أقدس بقاع الأرض، ولما هيأه الله جل وعلا بملكات لم تعطَ لأحد من البشر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: {أَنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي}.
ولا يختلف أحد على المكانة أو المنزلة التي كانت لإمامنا علي بن أبي طالب “عليه السلام” من رسول الإنسانية، ولا على دوره في تثبيت دعائم الدين الإسلامي بما ميزه الله سبحانه وتعالى من شجاعة وقوة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): {لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}.
فزوجه لابنته سيدة نساء العالمين “سلام الله عليها” التي أنجبت الأمة الأطهار، ليكونوا امتداداً لهذه المكانة الخالدة، فعلي سلام الله عليه، وليد الكعبة المشرفة بطل الإنسانية وعبقري الوجود والذي لم يولد قبله ولا بعده أحد في البيت المعظم بيت الله المبارك.
وهذا الإعداد منذ الولادة لإمامنا عليه السلام لأن الدين العظيم المراد له أن يكون أعظم وأكرم الأديان احتاج أفضل وأكرم الخلائق رسول الله والعترة الطاهرة من آل بيته “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”، ليحملوه إلى البشرية كافة ليبقى نور الأرض حتى يرثها الله ومن عليها.