أنوفنا تحب وتكره

لم يكن غريباً أن ترقى التوابل، مثلاً، بالذوق الإنساني، بل أن يعتبر استخدامها أصلاً، سبباً من أسباب التحول من الإشباع إلى التذوق والاستمتاع، وعلامة من علامات التحضر ورقي الحس، وإن كانت اقترنت بالطعام وأصنافه وطرائق طهيه وإعداده آداب تعلم الناس كيف يأكلون ويشربون، صحيح أنه لا يزال يغلب على عادة كثير من الناس أنهم يأكلون تلبية لحاجة البطن – فحسب – فإن في تلاقي أساليب التهذيب في الأكل ما ارتقى بهذه الرغبة الإنسانية إلى ما يميزها من طبع بقية المخلوقات في طلب الطعام  حفظاً للذات.

غازات، تجشؤ، انتفاخ، أنفاس، وما إلى ذلك، يعقبه ضيق وتوعك، نشعر به ونحن على المائدة كان ذلك دليلاً على أننا فعلنا شيئاً خاطئاً.

أنواع الطعام كثيرة وأشكالها متنوعة، واستبعاد واحد أو اثنين منها، ينبغي أن لا يسيء للفائدة المرجوة من تحديد الطعام.

إذا كان الشخص الذي يتحدث معك ينظر إليك بطريقة تشعر من خلالها غير مهتم جداً لما تقوله أو يحاول أن يبتعد عنك من دون أن يقول لك أي شيء، أو لا يستطيع التعبير عمّا يضايقه، وستلاحظ كل ذلك انطلاقا من ملامح الوجه، فهذا يعني أن هناك ربما شيئاً ينفره منك، ربما تكون الرائحة التي تنبعث منك تؤذيه.

عند هذا المشهد، يجدر بنا أن نقف وقفة متأنية وراء تلك الـ “ربما”، فكل طعام نتناوله يحتوي على مركبات كيميائية ذات تأثير أو تأثيرات مهمة على وظائف كثيرة في الجسم البشري، وربما تتكون تلك المركبات من مواد تسبب روائح كريهة.

دعونا نواجه الأمر: نشعر أحياناً بوجود رائحة غير مقبولة، وهذا شيء طبيعي، ففي جميع الأحوال يصعب الاستغناء عن إناء المعكرونة الذي تنبعث منه رائحة الثوم.

عُرفتْ قيمة الثوم طبيًا لمعالجة حالات مرضية مختلفة منذ عصور قديمة، فقد استفاد بعض الحكماء من قدامى الصينيين واليابانيين وبعض الشعوب الأخرى في تركيب بعض الوصفات الطبية.

يعد الثوم المكون الأساس لبعض الوجبات وتضاف للأغذية كتابل وتزود الجسم بجميع احتياجاته من العناصر الغذائية الصغرى والمعروفة لتحسين القيمة الغذائية والصحية، كما يستهلك الثوم دون إضافة أو في السلطات بصورة مستمرة.

وبادئ دي بدء، أود الإيضاح حول حقيقة فائدة الثوم مقابل ما يثار ضدّه أو معه من جدل: لما يحتويه على مئات من المركبات ذات فائدة في علاج أكثر من مرض، فهو علاج للسعال والربو وضيق التنفس وقروح المعدة والطحال واليرقان وآلام المفاصل وعرق النساء، ويدر الحيض ويحلل الأورام وحصى الكلى، ويقطع البلغم، كما يستخدم لعلاج الأمراض الجلدية، وضد بعض السموم وخصوصاً سموم الأفاعي والعقارب، ويقتل جميع أنواع البكتيريا التي تعيش في الفم، كما ثبت أن الثوم يعالج تصلب الشرايين، كما يؤثر على عضلات القلب فينشطها وينشط الدورة الدموية، ويفتح الشهية.

والخلاصة أنه لا توجد وصفة مصنعة كيميائياً تحتوي على ما يحتويه الثوم أو أي دواء عشبي.

في الوقت الذي يضيق فيه الكثيرون من الثوم، هناك أشخاص يعانون من فقدان السيطرة على سلوكياتهم الغذائية، إنهم لا يستطيعون التوقف عن التهام البصل أو الثوم، ويصعب عليهم أن يتصوروا إمكانية تناول وجبة خالية من هذين المكونين.

إن طعامنا أو ما يدخل فمنا له تأثير على صحتنا الداخلية؛ والذي يعكس بدوره على الرائحة التي تنبعث من أنفاسنا، وبالتالي جاذبيتنا.

ولكن الناس اعتادوا أن ينفروا من تناول البصل والثوم، أو أن يقتصدوا في تناولهما نيئين، نظراً للرائحة الكريهة التي تصدر مع أنفاس آكِلِيهِمَا، ولذا يلجأ بعض الناس إلى التقليل قدر الإمكان من تناول البصل والثوم في الطعام تجنباً لتلك الرائحة المنفرة.

بيد أنك قد تفاجأ بأنه يمكن التوصل إلى حل سريع لهذه الروائح غير الطيبة في حياتك، وقد تجد هذا الحل في المطبخ.

من فضلك، استمر في قراءة هذا المقال لتكتشف أن بعض مكونات الأطعمة اليومية بدءًا من النباتات العشبية إلى الحليب يمكن أن تساعدك في الحصول على رائحة طيبة للفم.

كيف ذلك؟ إليك الإجابة: يعد كل من البقدونس الطازج والنعناع الفلفلي والنعناع السنبلي من مكونات الطبيعة التي تعمل عمل النعناع في وجبة العشاء؛ حيث تساعد الزيوت الطيارة ذات الرائحة النفاذة التي تحتوي عليها تلك الأعشاب في التغلب على الروائح المنفرة للأنف.

تلك الأعشاب تعد بمثابة غسول للفم الذي يقوم بإخفاء الرائحة بشكل مؤقت، كما تترك رائحة لطيفة، لذا عليك بتناول البقدونس المشهي بعد العشاء، حتى لو لم تدم النتائج أكثر من بضع دقائق فهذا أفضل من لا شيء على الإطلاق.

هل تبقى رائحة الثوم الكريهة في فمك بعد العشاء بما يكفي لردع الآخرين من التقرب منك؟

إذا كان الأمر هكذا، توصي دراسة أجريت في جامعة أوهايو مؤخراً بتناول كوب من الحليب مع الطعام في المرة القادمة.

وتقول الباحثة د. شيريل بارينجر: “قد وجدنا أن تناول المشروبات التي ترتفع فيها نسبة المياه وتحتوي على بعض الدهون، مثل الحليب، قد تساعد على تقليل رائحة الثوم بل وعلى القضاء عليها أثناء الأكل”.

يقوم الحليب بتقليل مركبات الكبريت في الثوم التي هي سبب رائحته النفاذة، غير أن الحليب كامل الدسم حقق أفضل النتائج، ربما يكون ذلك بسبب أن الدهون أكثر فعالية في تحييد الروائح.

مغلي شاي المرمية مطهر للفم والتهاب الحلق ويبعث في الفم رائحة عطرة.

تناول حبة هيل لتغطية رائحة الفم الكريهة أو شاياً حامضاً “الليمون الأسود” تغلى ثمراته “اللب” بالماء ثم تخدر كالشاي.

ومع ذلك، يجب ملاحظة أن رائحة الفم الكريهة المزمنة غير مرتبطة بتناول الأغذية التي تحتوي على زيوت طيارة كالثوم والبصل، قد تكون مؤشراً على وجود مرض في اللثة أو الأسنان، إن قلة الاهتمام بنظافة الفم واللثة تلعب دوراً مهماً في ظهور تلك الرائحة، والتوصية الصحية تؤكد بمراجعة طبيب الأسنان في حالة عدم اختفاء رائحة الفم الكريهة، حيث يمكن للطبيب أن يساعد في الوصول إلى جذور المشكلة، وكذلك وضع الخطة الصحية المناسبة لك.

من المألوف جداً بعد مراجعة طبيب الأسنان للتنظيف أو خلع سن متسوسة أن تكون هناك فراغات بين الأسنان يمكن أن تملأ ببقايا الطعام أثناء المضغ، وهنا يتوجب إزالتها باستخدام فرشاة الأسنان وأيضاً تنظيف ما بين الأسنان بالخيط.

اعتاد الناس على مضغ اللبان أو العلكة لتنظيف الأسنان وتلطيف رائحة الفم من بقايا المواد الغذائية النشوية أو السكريات.

وبناءً على ما سبق، يمكننا القول إن أكثر النباتات مفيدة؛ بفضل قدرتها المضادة للجراثيم والمانعة للعفونة، فمثلاً الزعتر غني بالنميول، وهي مادة مطهرة ومانع للعفونة.

تطهر الجسم من الجراثيم، وتمنع العفونة، وتدخل لمساعدة الجسم على المقاومة حتى في حالة إصابته بالحمى أو الفيروس فجأة واحتمالات المعالجة بوساطة النباتات مهمة للغاية؛ لأن الجسم يمتص موادها بسهولة، كما أن تأثيرها يتم بفضل دورها المنشط، والذي يفيد التوازن للجسم ويقويه لذا فباستطاعتنا استعمالها كعلاج واقٍ وعلاج شافٍ، وعلاج وكمساعدة من نوع آخر.

وأخيراً، هل من الحكمة أن ننفر من أكل هذا الغذاء أو ذاك ونناصبه العداء ونرى فيه شيئاً من التهويل، إننا في حاجة إلى دور إيجابي متفهم واعٍ، فالإلمام بجوانب غذائنا وما ندفعه لأفواهنا من الأمور المهمة في حياتنا، فلا يكفي أن نرغب أو نسخط من بعض الأغذية بمجرد أنها لا تتوافق مع طباعنا، بل نربي أنفسنا على كيفية التعامل مع الغذاء بمعرفة تامة من منظور الصحة والعافية والوقاية والعلاج ضد ما يعرف بأمراض الغذاء، ومن ثم التمتع بما لذ وطاب.

روائح غامضة يتبادلها البشر دون إدراك واعٍ لطبيعتها، يستطيع الأنف تمييز عدد أكبر من الروائح الأساسية والثانوية، فأنوفنا تحب وتكره.


منصور الصلبوخ  – اختصاصي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي