الصحافة وأزمة المستفيدين

على مر الزمن بقي الإعلام هو الوسيلة الأكثر تأثيرا على المجتمع، ومُهما جدا بالنسبة للدول، إذ يبرز في المقاييس العالمية عدد الصحف والقنوات التي تملكها الدولة، أو من ضمن قطاعها الخاص، ويبقى القانون هو سيد هذه الوسائل، فلا تترك في يد الداعين للحرية غير المسؤولة.

إذن، تبقى الوسائل الإعلامية هي صوت الدولة أمام الهجمات الإعلامية التي تبرز بين الحين والآخر، ولعل تنوع المصادر الإعلامية جعل الكثير ينسى الدور الأهم للصحافة الورقية، الذي تربعت على عرشه سابقا، وباتت خلال العقود الثلاثة الماضية تحاول أن تثبت قوتها أمام سوق الإعلان الذي يبحث عن الوسيلة الأقرب، التي تستطيع إيصال صوته للمعلن، ولا تعنيه الوسيلة.

وبعيدا عن الدخول في تفاصيل الصناعة الإعلامية التي تعود خيوطها إلى القوى الرأسمالية المسيطرة على منظومة الإعلام والإعلان بكل أشكاله، وهذا ما جعلنا نلاحظ في الفترة الماضية انهزام كبريات الصحف العربية أمام هذه الهجمة الشرسة التي تناولت «التمويل» فأغلقت جريدة السفير اللبنانية، وعشرات المجلات التي رفض أصحابها بيع تراخيصها في سوق المال، وما عادت العاصمة اللبنانية مصدرا للصحافة الورقية كانت أم الإلكترونية، فوضعها في تدهور مستمر حتى فقدت البوصلة وضاعت الرؤية.

وكي لا تتشعب المقالة في مناطق بعيدة، نعود لصحافتنا المحلية –السعودية– ولكل صحيفة قصة وحكاية في المنشأ، وكذلك فترات صعودها وانحدارها، فما عادت الصحف لدينا كما السابق، ولعل السبب يعود للصراعات التي كانت قائمة ما بين الإدارات والتحرير، فنجد أن الصحف التي لا تعاني من هذا الصراع هي الأكثر استقرارا والأقل مطالبة بأن يكون هناك دعم لها كي تستمر، بل وجدت لها مصادر داعمة لوجودها، بينما بقيت الصحف التي لا تملك مصادر أخرى غير تمويل أعضاء مجلس الإدارة، ووجدناها تتساقط واحدة تلو الأخرى، وقضاياها في المحاكم، وما زال العاملون بها ينتظرون حقوقهم الضائعة.

لسنا بصدد البحث عن تمويل لتلك الصحف التي أصبحت عبئا ورقيا لا يحمل الجديد، بل يستنسخ الأخبار بدون تطوير، عليها معرفة وتحديد رؤيتها في طريقة الاستمرار، وعدم التشبث على أمل الدعم الحكومي ليكون هو المنقذ لها، فقد سال لعاب الصحف على قرار الدعم المتعطل، وباتت الأقلام تكتب حول مدى الحاجة لذلك الدعم، منهم من يراه ضرورة ومنهم من يرى أن زمن الصحافة الورقية انتهى، وهذا الطرح غير مقبول لدى البعض، الذي ينتقل مباشرة لطرح التجربة الغربية في الصحف والمجلات التي لم توقف طبعاتها الورقية، وهنا نعيد فكرة تطوير المحتوى وإيجاد المنافذ التطويرية المتميزة التي تجعل القارئ يبحث عنها ويحاول أن يشترك في المحتوى المتميز، كما فعلت الصحف الغربية.

وفي اعتقادي، خوف الصحف من تلك التجربة، ناجم من عدم ثقتها بأن القارئ سيسعى للاشتراك والدخول فيها.

ومن وجهة نظري، أن مثل هذا الموضوع يناقشه أبناء مهنة الصحافة الورقية، فهم أكثر معرفة بوضعهم الداخلي، وهم الأكثر قربا من تطوير المهنة، حيث إننا نجد بعض العاملين في الصحافة الورقية بالأمس، وتسببوا في إغلاق صحفهم، لسوء الإدارة اليوم يتحدثون عن نهاية الصحافة الورقية وعلى الصحف الورقية التوجه للإلكتروني فقط.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي