كلُّ صداع وألم رأس هو صداعٌ خفيف جدَّا، إن كانَ عند غيري. ولكن ما إن يكون الصداعُ في رأسي إلا ويكون أقوى وأشد. أفلا ترى كيف أنا وغيري نستعظم المِحن عندما تحل بنا ونهونها عندما تحل بغيرنا؟ نصغّر مشاكلَ الناس ثم نقدم النصائح لهم في طريقة حلّ مشاكلهم، بينما لو كانت المشاكل مشاكلنا، الله أعلم كم سوف نعاني، وكيف نجد لها المخرج!
في أغلب الأحيان ليس المطلوب منا سوى الصمت والاستماع دون تقديم النصيحة والمشورة وهذا ما يخفف الألم وحرارة الجمرة. وواقع الحال يحكي أنه كما قال المتنبي:
لا يعرف الشوقَ إلا من يكابده
ولا الصبابةَ إلا من يعانيها
لا يسهر الليلَ إلا من بهِ ألمٌ
ولا تحرق النارُ إلا رجلَ واطيها
كانت أمي رحمها الله حينما تسمع بشخصٍ تغيَّر مزاجُه وتقلبت أحواله، تجد له عذرًا وتذكر المثل: “ما حَد يعيف عشاه إلا من علَّةٍ في حشاه”، فلا تتطفل ولا تسأل عن السبب فقط لتعرف كم يشعر الجائع بالجوع أو الحريق بالألم إن لم تملك الأكلَ أو الدواء وأنت مستعد لتقديم ما يطلب منك، لكن اسمع الشكوى وتعاطف.
فلانٌ اختلفَ مع أهله، فلانٌ أصابه أو أهله مرض، فلانٌ في ضائقةٍ من العيش، كلهم وغيرهم يحسون ويشعرون بحرارة الجمر، لكن ما داموا راغبين في الصمت، ويسعون في حلِّ المشكلة، ليهنئوا بتلكَ المسافة من الخصوصية والصمت، فلن نزيدهم إلا غمًّا فوق غمهم، وحزنًا فوق حزنهم. ثم ليست كل المشاكل نحن خبراء فيها وقادرون على حلها، فرحمَ اللهُ امرأً عرفَ قدر نفسه وطاقته ولم يزد الأمورَ علةً وفسادًا. واليوم في كلِّ زاويةٍ مختص وخبير هو أقدر على حلها من غير المختص.
لا تكثر شكواك للناس فتهونَ عليهم، ولا تتلصص على شكاوى الناس فتهونها. بل تفاعل معها شعورًا وعاطفة. نحزن لآلام غيرنا، ونفرح لأفراحهم بروحٍ وزخمٍ من التعاطفِ والتراحم القولي والفعلي. وإحساسنا بأننا جزء من مجموعِ الإنسان يحتم علينا الشعور بألم الجمر متى ما وطأتها رِجلٌ، وإن لم تكن رِجلنا. وقبل أن نجأر بالأنين والشكوى للناس، لنشاركها ربَّ الناسِ فهو الأسرع والأقدر على إطفاءِ النار!