استكمل المدرب محمد الخنيزي، السيرة الحافلة بالمواقف والعطاء والروح الولائية للعلامة الحجة المقدس الشيخ فرج العمران، باستضافة آية الله السيد منير الخباز، ضمن سلسلة برنامج “قل كيف عاش؟!”، يوم الأربعاء 27 يناير 2021، عبر منصة “إنستجرام”.
طفولته
ذكر سماحة السيد “الخباز” أن العلامة فرج العمران عاش عاملين قاسيين وهما اليُتم والفقر، حيث فقد أباه وهو لم يتجاوز ستة أشهر ولم يكن لديه عم أو خال ولا جد، ولم يكن معه إلا والدته التي أصيبت بالكآبة الشديدة بعد ولادته وفقد أبيه، حتى أن زوجة أبيه الأخرى قامت بإرضاعه وكفالته لعدم مقدرة والدته على ذلك نتيجة للحزن، وكذلك عاش الفقر المدقع ولم يكن يملك من الدنيا سوى بيت كان لأمه عاش فيه، وكان البيت المعروف مجاورًا لحسينية العوامي، لافتًا إلى أنه ليلة وفاته لم يملك إلا بضعة ريالات، أقل من 15 ريالًا.
اليتم والفقر
وأوضح أن عاملي اليتم والفقر قد يكونا سببًا في اليأس والانهيار النفسي والكآبة المزمنة وعدم القدرة على بناء الحياة، بينما مع العلامة الحجة “العمران” أكسباه إرادة حديدية وصلابة في المواقف وخلق الطاقة وتفتح القدرات وقوة الشخصية لتكون مصدرًا لإبداعه وإنتاجاته، مشيرًا إلى أنه اقتدى بالرسول (عليه الصلاة والسلام) وبني حياته العلمية والأدبية والاجتماعية.
وأضاف: “لقد حدثني الأديب والشاعر محمد سعيد الخنيزي أن زوجة العلامة “العمران” كانت تُلهي الأطفال بوضع الماء على الماء كي يتوقعوا أن هناك طعامًا، وتشغلهم بذلك حتى يناموا جوعًا، وفي اليوم الثاني تُدبر لهم أي شيء من الخُبز ليقويهم على الحياة”
وواصل: “وأخبرتني المرحومة أم نادر القطري، ابنة العلامة “العمران”، أنهم عندما كانوا في النجف الأشرف أيام دراسة والدها كان عمرها عشر سنوات، سافر إلى خرسان للزيارة نيابة عن بعض الموتى، وبقيت العائلة في النجف ولم يكن لديهم شيء يأكلونه، وقالت لها والدتها إنهم ليس معهم أي شيء وتخجل أن تطلب من الجيران أكثر مما طلبوا، وطلبت منها أن تذهب إلى الحرم الشريف وتتوسل بأمير المؤمنين الإمام علي “عليه السلام” بأنهم لا يملكون شيئًا، لعل الله يفتح لهم بابًا، وفعلت كما طلبت منها والدتها وتوسلت وبكت بحرقة، وبعدما خرجت وهي بالطريق أمسكها رجل يلبس عمامة من يتكفلون بالزيارة، وقال لها: يا ابنة الشيخ، وتعجبت؛ كيف عرفها وهي محجبة، وأعطاها ظرفًا سلمته لوالدتها وفتحته ووجدت مبلغًا من المال، وكتبت عبارة “من صاحب الفرج إلى الشيخ الفرج”.
تدريسه
وأشار سماحة السيد “الخباز” إلى أن العلامة الحجة “العمران” إذا جاء من أسفاره، أو إذا أراد أن يُدرس، يجلس في بيت المرحوم أحمد الجشي، والد الشاعر محمد سعيد الجشي، وكان يجلس فيه بالأيام، لعدم وجود ما يهيئ في منزله أن يستقبل الناس فيه، مشيرًا إلى أنه كتب في كتابه “الأزهار الأرجية” رسالة من الشيخ الزعيم علي العبد الكريم الخنيزي “طاب ثراه” يدعو فيه المؤمنين لمعونة العلامة “العمران” ولو بقدر قليل من الطعام والمال لشدة فقره.
دراسته
درس العلامة “العمران” على يد عدد من علماء القطيف وكان يقضي معظم وقته درسًا وتدريسًا بلا ملل وسأم، حيث كان قلمه معطاءً وأصدر كثيرًا من الكتب والمؤلفات رغم حالته المادية، ودرس الكتب التي درسها مرارًا لعدة من علماء المنطقة وفضلائها في النحو والصرف والبلاغة والمنطق والحكمة والفقه والأصول.
علاقة مميزة
وبين سماحة السيد “الخباز” أن العلامة الحجة “العمران” كانت له علاقة مميزة مع الإمام الشيخ علي أبي الحسن الخنيزي “قدس سره” رغم أنه لم يدرس لديه مباشرة، ولكن كانت جُل أسئلته وإشكالاته واستفهاماته معه.
مكانة أهل العلم
وسرد قصة عن لسان المرحوم العلامة الكبير الشيخ عبد الحميد الخطي “قدس سره” قائلًا: “في يوم عيد الفطر جاء الناس يُباركون ويهنئون بالعيد الشيخ علي أبي الحسن الخنيزي، وجاء المرحوم الوجيه حسين السنان وكان وجهًا معروفًا وشخصية مرموقة ومعه العلامة الحجة “العمران”، ولما وصلا إلى الباب للدخول، استحى “العمران” أن يتقدم، فهذا وجيه ولعله بمثابة أبيه أو أخيه الأكبر حسب العمر، فقال له: تفضل، فتقدم المرحوم حسين السنان ليدخل على الشيخ علي أبي الحسن الخنيزي، التفت وقال: ارجع، الشيخ “العمران” يتقدم”، منوهًا إلى أن هذا الموقف أراد به الشيخ الخنيزي “طاب ثراه” يبين درسًا أن أهل العلم الذين يمتلكون المكانة العلمية المرموقة يُقدمون لهم الإجلال والإكبار.
آثار علماء القطيف
وأكد سماحة السيد “الخباز” لولا ما كتبه العلامة الحجة “العمران” في كتابه “الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية” لضاعت آثار جُل علماء القطيف الذين هم الكوكبة والصفوة المنتخبة وطليعة المجتهدين آنذاك، كالشيخ علي أبي الحسن الخنيزي والشيخ علي أبي عبد الكريم الخنيزي والشيخ عبد الله المعتوق والشيخ السيد ماجد العوامي والشيخ محمد النمر، من العوامية، والشيخ حسن علي البدر، والشيخ علي الجشي “طاب ثراهم”، كل هؤلاء كتب تراحمهم وحفظ آثارهم بشكل مفصل ووجهًا لوجه على لسانهم، لافتًا إلى أن أهم أجزاء “الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية” الجزء الثاني والثالث.
الدقة في اختيار الألقاب
واستطرد قائلًا: “ترجم العلامة العمران “قدس سره” الشيخ عبد الله المعتوق في الجزء الثاني صفحة 166 في كتابه “الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية” وعبر عنه بالإمام آية الله العظمى الشيخ عبد الله المعتوق، وعبر عن الشيخ النمر والشيخ البدر والسيد ماجد العوامي “قدس سرهم” بالعلامة الحجة”، منوهًا إلى أن العلامة الحجة العمران “قدس سره” دقيق في وضع الألقاب ويضع الأمور في مواضعها بحسب الدقة ويكتب بمقدار الحجم العلمي للشخصية.
علاقته بالإمام الخنيزي
عبر العلامة الحجة العمران “قدس سره” عن شدة علاقته العلمية بالإمام علي أبي الحسن الخنيزي “قدس سره” بالأستاذ الأعظم، فريد العصر ورئيس الطائفة الإمامية وفقيه الخليج الشيخ علي أبي الحسن الخنيزي.
مقام المرجعية
وقال سماحة السيد الخباز إن العلامة الحجة “العمران” كان يُقدر المراجع الأعلام ويرى أن مقام المرجعية كما هو كذلك المقام التالي لمقام الإمامة والنيابة، وظهر ذلك جليًا في تعظيم هذا المقام مع وجود الفقهاء الكبار أمثال الإمام الخنيزي والمعتوق، لافتًا لموقفه العلامة العمران “قدس سره” وارتباطه بالمرجعية العليا بالنجف الأشرف بالسيد أبي الحسن الأصفهاني.
وأضاف: “لقد سمعت من المرحوم العلامة الكبير الشيخ عبد الحميد الخطي “طاب ثراه” عندما كان في سفر مع العلامة الحجة “العمران” إلى إيران، ووصلا إلى قم المقدسة وسكنا في مكان واحد، فقال: أنا ذاهب للسلام على المرجع العلامة “البورجردي”، فخرج مع اثنين معه، وذهبوا إلى بيت البورجردي “قدس سره”، وقالوا له إن المرجع السيد في درسه، وذهبوا هناك وصادف ذلك وقت مجيء العلامة العمران “قدس سره” للمرجعية وقت فراغ ليرجع إلى بيته، وصعد عربة الحصان ويمر بالناس إلى أن يصل، ومن شدة حبه وشغفه حتى بالسلام على البورجردي “قدس سره” قذف بنفسه على العربة ومد يده المرجع العلامة “البورجردي” وهو في الأعلى وقبل “العمران” يده رغم الازدحام، مشيرًا إلى أنه كان فرحًا بإحرازه فرصة مصافحة أصابع المرجعية “البورجردي”.
وتحدث سماحة السيد “الخباز” عن موقف العلامة الحجة “العمران” عند نشر إعلان ضد المرجعية للسيد محسن الحكيم “قدس سره”، قائلًا إن السيد الحكيم معروف في العراق بمواقف بطولية اتجاه المد الشيوعي والتيار البعثي وكثير من التيارات والحكومات التي تعاقبت على العراق، فكان المترصدون لكسر مرجعيته والتوهين بمقامه، حتى نُشر إعلان في تلك الفترة عام 1371، يتضمن هذا الإعلان ضد الحقيقة بأن الإمام الحكيم ليس على مذهب الشيعة وإنما هو على مذهب الوهابية محاولة لكسره وأصبحوا يجمعون بعض الأقوال من كتابه “المستمسك في شرح العروة الوثقى” في جزئه الأول لتوهين مقامه، فتصدى له العلامة الحجة العمران “قدس سره” للدفاع عن ذلك، وكتب كتاب طُبع بعنوان “حول الإعلان عن الحقيقة” صنفه على الناشر والناظر، لافتًا إلى أن كتابته العلمية رصينة ناقش فيها جميع الشواهد التي استشهد بها كلمات السيد الحكيم.
بعد رحيل السيد الحكيم
وأوضح أنه بعد رحيل الإمام السيد الحكيم “قدس سره” كان يقول لو بُعث الحكيم حيًا أرجعنا في تقليده مرة أخرى من شدة اعتقاده وتقديسه وإجلاله للإمام الحكيم.
العنصر الولائي لأهل البيت
وبين أن العلامة الحجة “العمران” قطعة من الولاء كأنما عُجن بطينة أهل البيت “عليهم السلام”، وظهر ذلك من خلال تربية والدته السيدة الهاشمية القارئة الحسينية والتي لها ديوان التحفة الهاشمية وربته منذ الصغر على توثيق العلاقة بأهل البيت، إضافةً إلى أنه أثرى روحه الولائية بمؤلفات وقصائد شعرية وأدعية وزيارات ولم يكن يخلو شهر إلا وينبض بقصائد أهل البيت مدحًا أو رثاءً أو توسلًا، وأصدر عدة دواوين في ذلك.
وأكمل: “وكان لديه الإصرار الدائم على إقامة المآتم الحسينية وحضورها بشكل يومي دون كلل أو ملل وحرصه على زيارة قبور الأئمة والتبرك بغبار وعرق زوار الإمام الحسين عليه السلام”، لافتًا إلى أنه سمع ذلك من العلامة منصور البيات عندما قال أنه نُسخة من العلامة “العمران” في حبه لحضور المآتم الحسينية.
كرامات أهل البيت
ونوه إلى أن العلامة الحجة العمران “قدس سره” شغوف بكرامات أهل البيت “عليهم السلام”، عندما يسمع عن كرامة يسجلها في كتابه وموسوعته “الأزهار الأترجية في الآثار الفرجية”، وإذا شاهد كرامة بنفسه كتبها بكل عشق وشوق وكأنه وصل إلى شيء نفيس وكنز ثمين، ساردًا لبعض الكرامات التي شاهدها بعينيه.
قبر اليسع ابن يخطوب
ونوه إلى أنه شيد قبر اليسع بن يخطوب في الأوجام، وكتب له زيارة وزيارة لأهل البيت “عليهم السلام” حتى يعتادوا على ذلك.
شخصية اجتماعية
وقال سماحة السيد “الخباز”: “كانت شخصية العلامة الحجة العمران “قدس سره” اجتماعية ولديه عدة عادات وزياراتها لا يتوانى عن تركها، وكان يزور بيوت العلماء حتى بعد وفاتهم ويزور أبناءهم، والمواظبة على الذهاب للحسينيات وبعض الشخصيات”، مشيرًا إلى أنه كان لا يرفض أي دعوة تُقدم إليه ليعزز بالمجتمع على التقارب والتواصل والتسامح، وكذلك كان يُشعر بأن مقام العلماء والأئمة مقام الأبوة الحانية.
وأضاف: “كما أدرك أن بقاءه في القلعة يجعل صلاة الجماعة كأنها محصورة فقط بها، وقطع هذا العرف بأن صلاة الجماعة حق للجميع، وخرج إلى حي المدارس وأقام صلاة الجماعة في مسجد النعوش وصار عامرًا ومزدحمًا بالناس أيام الجمع”.
علاقته مع المجتمع
كانت له زيارات لمختلف مناطق القطيف ويمضي شهورًا، حيث يبدأ من الملاحة وينتهي بمدينة صفوى، ليحقق بذلك عدة أهداف ومنها الإنذار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان وكان يذهب للنخيل للفلاحين ويعلمهم الصلاة وأمور الدين والمسائل الفقهية وكذلك يصل للنساء ويستمع لاستفساراتهم ويُجيب عنها، إضافةً إلى أنه يأنس بمجالسة الفقراء ويتفقد احتياجاتهم.
قوته الفقهية
وذكر أنه ربط الفقه النظري بالفقه التطبيقي لمخالطته للناس عن قرب، وهذا أكسبه قوة في شرح المسائل.
نكران الذات
وبين أن العلامة الحجة العمران “قدس سره” كان يتعامل مع مظاهر الحياة بنكران الذات وتجاوز الأنا وبذل النفس لله بكل صوره ولا يُفكر بنفسه، فكان زاهدًا، مشيرًا إلى أنه رفض القضاء مرتين وكان يُعظم تلامذته ولا يهتم بالألقاب والعناوين والمظاهر، كما حدث عندما قدم له الإمام السيد محمد مهدي الأصفهاني إجازة بالاجتهاد، رد على ذلك بأنه ليس مجتهدًا ويرى أن الاجتهاد وسط، إضافةً إلى روح الإنصاف والحكمة والتسامح، مستدلًا بذلك بعدة مواقف وأمثلة.
واختتم سماحة السيد “الخباز” اللقاء قائلًا: “إذا تُليت السيرة المعطرة للعلماء والأئمة وكيف كانوا يتحملون الظروف القاسية في سبيل العلم والمعرفة اجعلوا ذلك لكم قدوة للمثابرة وتحقيق المراتب العلمية والعملية لتصبح أسماءكم ذات ألمعية”.
لمتابعة اللقاء كاملًا.. (هنا)