تغربتُ وتعبت. سهرتُ واجتهدت. ثابرتُ وتخرجت. وبنورِ عِلمٍ ووسامِ ثاقفةٍ إلى بلدي رَجِعت!
بعد عناءٍ وطول مشقة، حصلت على وظيفة تناسب عِلمي ولا تناسب طموحي، أَغنتني عن الحاجة للآخرين ولم تجعلني ثَرياً.
في الضفةِ الأخرى؛ ذاك طفلٌ عابث، أفكاره خاوية، وتصرفاته غوغائية، لا يملك من المعرفةِ مثقالَ ذَرة وليس له في العِلم سُمْكُ شَعرَة.
بدأ بالبحثِ عن الشُّهرة، واتَّبَع مشورةَ “خالِف تُعرف”، خَالفَ عاداته وتقاليده وتعاليم دينه.
بدأت أفواه العُقلاء تنشرُ جهلَهُ للجُهلاء، فجأة أصبح ذاك الجاهل مشهوراً وبدأت خزائن الإعلانات الزائفة بتغذية أرصدته البنكية حتى أصبح مليارديرًا.
في ذلك الوقت، كَبُرَ ابني، وجاءني يطلب ما هو فوق إمكانياتي المادية فتَعلَّلت وزاد عَليَّ في إصراره وصارحته بأنني لا أستطيع دفع ذلك المبلغ، اعتراهُ الحزن وقال لي: لو أنك يا أَبتي مشهوراً لكانَ شراؤُها ميسوراً.
أخبرته بقصةِ كِفاحي وما قَطفته في سنواتِ غُربتي علَّه يَراني كالقدوة، هنا اسْتَوقفني وقال: ما نفع عِلمك يا والدي إن كان عِلمك لا يَسِدُ حاجتي، اتركني أبحث عن شُهرة لا عن معرفةٍ أو عن خِبرة.
نحن من جعلنا من هؤلاء الحمقى قُدوة لصغارنا، رأيناهم، استنكرنا أفعالهم، فتابعناهم مرة أخرى حتى نستنكِرهم من جديد وبعدها شاركنا أحبتنا حماقتهم حتى يستنكروهم معنا.. ثُمَّ ماذا بعد؟! تساءَلنا نحن العقلاء “من شَهَرَ هؤلاء الجهلاء؟!” هههههه كم هو مُضحكٌ ما نفعله!
وفي الأخير، إن الخِيار لنا وبِأيدينا، فإما نتوقف عن دعم هذه التفاهات أو أن نستعد لتربية جيل مُشَبعٌ بثقافةِ اللاثقافة.