تسربت ظلال نظراتها المليئة بالازدراء إلى روحي، وهي تمعن بنظرة متعجرفة، كادت أن تعصفني عصفاً، أحسست باختراق يعبر مسام الجلد وينفذ إلى صميم القلب، ولهيبا شريداً يلفحني؛ يلسعني بوابل من الشرر المتطاير عبر الكلمات والأسئلة المتزاحمة الممزوجة بالتهكم والاستنكار، تطرح الأسئلة وتجيب عنها مستحيل أن يكون بيننا تشابه، أغبياء واهمون يتخيلون، وتضيف متعجبة وهي ترمقني باحتقار وتسحق كرامتي لستِ شبيهتي.
لا أعلم سبباً واضحاً يوحي إليها بالتميز، ويجعلها تنحدر إلى مستنقع التوغل في التكبر واستصغار الناس، إلا غياب الخلق والثقافة.
أليس هذا ما يسمى لغة العصر (التنمر)، وهو الأذية الواضحة للآخر سواء بتوجيه كلمات مهينة ومسيئة وذات مدلول عدواني وساخر تقلل من شأنه أمام الآخرين، أو تنمر عبر الإيذاء الجسدي بالضرب، حيث يلجأ الأشخاص الذين يمارسون التنمر ضد غيرهم إلى استخدام القوة البدنية للوصول إلى أهدافهم، أو بث شائعات مغرضة للإساءة لسمعة شخص ما عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد عرّف الباحث النرويجي “دان أولويس”: التنمّر على أنّه تعرّض شخص بشكل مُتكرّر وعلى مدار الوقت إلى الأفعال السلبية من جانب واحد أو أكثر من الأشخاص الآخرين، وعرّف العمل السلبي على أنه عندما يتعمّد شخص إصابة أو إزعاج راحة شخص آخر، من خلال الاتصال الجسدي، أو من خلال الكلمات أو بطرق أخرى.
ووفقاً لدراسة بحثية أعدها مركز الملك عبد الله للأبحاث، وُجد أن نسبة التنمر في السعودية تبلغ 47 في المائة عند الأطفال، و25 في المائة عند المراهقين.
والإسلام له قصب السبق في معالجة هذه الظاهرة لأن رسالة الإسلام هي السلام، لذلك دعا أتباعه إلى الاتصاف بكل حسن وجميل قال تعالى: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” (58) الأحزاب.
والإنسانية في الإسلام متساوية ولا يحق لأي شخص أن يتعدى على غيره أو يتعامل معه بكبر وغرور، قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في خطبته في حجة الوداع: “يا أيها الناس ألا إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”.
فإذا كنت متنمرًا، فحاول التفكير في ما يشعر به الشخص الآخر، هل تريد أن يعاملك بهذه الطريقة أمام الآخرين؟ فأنت لا تعرف أبدًا ما يحدث في حياة الآخرين بسببك.