الطلاق الرمادي

علمت بجميع عيوبه قبل الارتباط به؛ كان متعاطيًا، ألعوبانًا، عربيدًا، مستهترًا، فاحش الثراء.

ولكنها آثرت الارتباط به لينتشلها من واقع أكثر بؤسًا أبوها كان فقيرًا، بخيلًا، قاسيًا معنفًا أبعد ما يكون عن معنى الأبوة والحب والحنان التي يتمتع بها أي أب متوازن.
آملةً أن تجد لديه ما تفتقر إليه من أمان مادي ومعنوي

باختصار ألقت بنفسها إلى الهاوية وعاشت حقبة زمنية طويلة امتدت إلى 35 عامًا من الظغوط النفسية المتنوعة.

عنف لفظي، ونفسي، وجسدي تحملت مسؤولية نفسها، وبيتها، وأولادها وحدها بمختلف ظروف الحياة وحينما زوجت أصغر بنت لديها أعلنت قرار الانفصال عن زوجها.

استنكر جميع الأبناء غرابة القرار كيف لهذه المرأة الجدة في هذه المرحلة العمرية تطلب الطلاق؟!

هنا أطلقت صرخة ألم ومعاناة السنين والأيام لتقول لهم “ارحموني من هذا الرجل”، فطالما تحملت سوء خلقه من أجلكم والآن زوجت آخر أبنائي ولم يعد أحد منكم بحاجة لبقائي معه ولم يتبق لدي القدرة على تحمل المزيد من الإهانة والإساءة ارحموني وارحموا كبر سني وحاجتي لمن يؤمن لي بقية حياتي معززة مكرمة بأمن واستقرار وراحة بال.

الكثير من المنازل تعيش حياة زوجية تشبه كثيرًا تفاصيل حياة هذه الزوجة مع زوجها، ولكن مع اختلاف الطرف الذي يعاني، والذي قد ينفد صبره بعد أن ينتهي مشوار الأبناء من تعليم وزواج وخلافه، وعندها يقرر أحدهما ترك يد شريك حياته ليبدأ حياة جديدة بعيدًا عنه، وهو ما يطلق عليه الطلاق المتأخر بعد الخمسين، ويسمى علميًا بـ«الطلاق الرمادي» أي طلاق أصحاب الشيب، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة الطلاق في الخمسين تجاوزت نسبته الطلاق في العشرينات.

-(مشكلة الطلاق مشكلة  أسرية اجتماعية منذ الأزل لها ما لها وعليها ما عليها من مسؤوليات وتبعات).

تراكم المشكلات
الطلاق في خريف العمر يعد من الظواهر الاجتماعية التي سادت أغلب مجتمعات العالم خلال الأعوام الخمسة الماضية، كونه يحدث في سن متأخرة للزوجين، لهذا بحثت العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية عن أسباب تفشيه ونسبة حدوثه وآثاره السلبية، ولعل اللافت للنظر أن التردد والحيرة في اتخاذ قرار الانفصال كانا القاسم المشترك بين الأزواج، إضافةً إلى أن مدة طول الحياة الزوجية لا تعطينا مؤشرًا حقيقيًا على استقرارها، فبعد هذا السن يريد كل منهما أن يعوض ما فاته من العمر، وأن يصحح مسار حياته حسب ما يراه مناسبًا حتى ولو كان ذلك في وقت متأخر تحت وطأة الخوف من مرحلة الشيخوخة، أو خلاصًا من سلوكيات الشريك التي كانت تعكر صفو هذه الحياة، فتراكم المشاكل الزوجية ومحاولة تسيير عجلة الحياة والانشغال بتربية الأطفال وتوفير مستقبل آمن لهم على حساب حياة زوجية طويلة الأمد وتحدٍ لمجتمعات تغفل حقوق الأزواج في تقرير مصيرهم مما أسهم في استمرار هذه العلاقة التي كتب عليها الفشل منذ السنوات الأولى، واستمرت على مضض بسبب وجود الأطفال أو الخوف من النظرة الاجتماعية القاصرة للمطلق والمطلقة، فكان النصح لهما دائمًا وأبدًا بالصبر تارة والرضا بالقسمة والنصيب تارةً أخرى، فسوء الاختيار والتغاضي عن حل المشكلات والتهاون بحلها وعلاجها يسهم في تفاقم عدم الانسجام والحكم على هذا الزواج بالفشل

إن الطلاق بعد الخمسين يطلق عليه عدة مسميات مثل «مزاج الشيخوخة» و«الطلاق الرمادي»، وهي مسميات لظاهرة واحدة وهي انفصال الزوجين عن بعضهما في سن متأخر، حيث أصبحت ظاهرة تهدد التماسك الاجتماعي الأسري العربي والغربي على السواء.

إن تفسير سبب هذه المشكلة على المستوى النفسي هو وجود إحساس متنامٍ لدى كبار السن بقرب النهاية والرغبة في التخلص من الضغوط النفسية، واغتنام فرص الراحة والمتعة، وفي أحيان أخرى يوجد نوع من المراهقة المتأخرة يصيب بعض الرجال مما يجعله يفكر في الزواج من فتاة صغيرة استرجاعًا لسنوات الشباب، وإحساس الزوج أو الزوجة بالعزوف العاطفي، مما قد يضطر أحدهما للبحث عن زواج آخر تلبية للاحتياجات النفسية والبيولوجية، مبينًا أن هناك تفسيرًا اقتصاديًا وهو تحسن الحالة المادية للزوجين والتي قد تمكنهما من الانفصال بأقل ضرر مادي، وهذا يفسر انتشار تلك الظاهرة في المجتمعات المتقدمة كالأمريكي والبريطاني على سبيل المثال.

إن التفسير الاجتماعي لذلك يقع تأثيره على المرأة أكثر من الرجل بما يعرف بـ«مزاج الشيخوخة»، باعتباره مؤشرًا من بين مؤشرات التقدم في السن، معتبرين أن طلاق كبار السن ظاهرة اجتماعية حساسة نظرًا لسن الأزواج المنفصلين، فالتردّد والحيرة والارتباك أشياء تصيب المرأة إن شعرت أن الطلاق لا بد منه بعد سنوات طويلة من الزواج، وإن التفسير الاجتماعي لتفاقم تلك المشكلة هو غياب ممارسة الوالد لمسؤولياته، فقد أصبحت الأسرة تدار وبشكل كبير من طرف المرأة، وأصبح هناك نوع من القصور في ممارسة الزوجين لأدوارهما داخل الأسرة، إضافةً إلى غياب الحوار الأسري وهو ما يسمى «السكتة الكلامية» التي اقتصرت على تصريف الأمور وحاجيات الأسرة فقط، وكذلك غياب العاطفة والحب والحنان والدفء الأسري والمشاركة في تحمل المسؤولية.

تأثير مدمر
الآثار السلبية لهذه الظاهرة متمثلةً في انحراف الأبناء حيث يترك الطلاق تأثيرًا مدمرًا على الأشخاص الذين يتقدمون في السن، وقد أثبتت الدراسات وجود ارتفاع في أمراض الصحة العقلية يصيب 19% من النساء المطلقات أو المنفصلات، و17% من الرجال بعد وقت قصير من تفكك العلاقة، مضيفًا أن هناك نظريات تُفسر الطلاق بعد الخمسين -مزاج الشيخوخة، الطلاق الرمادي- حيث ترجع (نظرية التعلم) الطلاق إلى عدم حصول كل من الزوجين على الإثابة من الآخر، وذلك لشعورهما بالحرمان من إشباع حاجاتهما في الزواج، وشعورهما بالتوتر والقلق في تفاعلهما معًا، مما يجعل استمرار علاقتهما الزوجية شيئًا مؤلمًا لا يقدران على تحمله، فيكون الطلاق وسيلة لتخليصهما من مشاعر الحرمان والتوتر والقلق في وجودهما معًا وبالنسبة (لنظرية التبادل) نجد أنها تنطلق من عدة مضامين تشمل: ندرة محاولة الفرد الانتفاع المادي بالدرجة القصوى، وعدم تصرف الأفراد بشكل عقلاني دائمًا، ويخضع تبادل الأفراد للتأثير والتأثر بالمؤثرات الخارجية المنظمة، وعدم وجود معلومات كافية لدى الأفراد لجميع البدائل الجاهزة والموجودة بالفعل، وهذه المضامين تنطبق على كل فعل اجتماعي يقوم به أفراد المجتمع، فالزواج والطلاق والأسرة وعلاقة المودة التي يسعى إليها الأفراد من خلال الزواج جميعها تقع في خانة المنفعة التي تؤكد عليها نظرية التبادل، إذ يؤدي هذا التبادل كما بيّن بيتر بلاو إلى استقرار البناء الاجتماعي، كما أنه يؤدي إلى حدوث عملية التغير، مشيرًا إلى أن نظرية التبادل تفسر حدوث الطلاق عندما تتعذر الحياة الزوجية بين الطرفين حتى لو كانا في سن متأخر، وتصبح الحياة مليئة بالمشكلات والمشاحنات، حيث تحاول المرأة أن تصب مقدار الخسائر المترتبة من هذا الطلاق ومقدار المكاسب.

تفاعل الأفراد
إن نظام الأسرة هو نظام فرعي داخل النظام الاجتماعي الرئيس، وله بناء، وكل جزء في هذا البناء له وظائف، وأي خلل في البناء أو الوظائف قد يعرض الأسرة إلى الطلاق حتى لو في سن متأخر؛ ذلك أن نظام الأسرة مرتبط بالمجتمع، وأي خلل في أي منها يؤثر على جميع أجزائه؛ إذ أن أي خلل في هذا البناء يؤثر على باقي أفراد المجتمع، وبهذا يكون تأثيره المباشر على الأسرة مما يؤدي إلى الطلاق، وتأكيداً على هذا التصور فقد أشار تالكوت بارسونز في كتابه (النسق الاجتماعي) إلى أنه لا بناء دون وظائف اجتماعية ولا وظائف دون بناء اجتماعي، وهذا يدل على وجود علاقة متفاعلة بين البناء والوظيفة، وأن هناك درجه عالية من التكامل بينهما، إذ لا يستطيع الفصل مطلقًا بين البناء والوظيفة، مبينًا أنه بالنسبة (للتفاعلية الرمزية) نجد أنها تركز في دراستها للأسرة على طبيعة التفاعل بين الأفراد في العلاقات الزوجية، ذلك أن تفاعل أفراد الأسرة يعتمد على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها كل منهم، وقد نوهت تلك النظرية على أن أهم التحديات التي تواجه الأسرة هي مشكلة تكيف الأدوار، إذ لا يكفى إدراك الفرد للسلوك المتوقع منه ولكن يعتمد على مدى تقبله لهذا الدور، فلا يكفي أن يكون الزوجان من خلفية ثقافية واحدة لنجاح الحياة الزوجية، بل لا بد أن تكون أدوارهم المستقبلية امتدادًا للأدوار التي عايشوها في السابق.

ما أردت قوله لكم:

-الزواج ميثاق الله الغليظ الممدود بين السماء والأرض وهو سنة من سنن الله في خلقه، مثلها مثل باقي السنن (خير- شر- موت -حياة -صحة -مرض -غنى -فقر.. إلخ).
وحاشا لله أن يقدر علينا سنة من سننه دون وضع النهج السوي للتعامل مع مثل هذه السنن وهذه التقديرات.

-فقط أحسنوا الاختيار وكونوا على قدر من المسؤولية.

-تعلموا أسرار وفنون نجاح الحياة الزوجية.

-تعاملوا مع تحديات الحياة بوعي مرتفع وضمير حي ووجدان حساس.

– في خريف العمر قوموا بتقريب وجهات النظر واستمعوا للآخر واشعروا بأهمية الشريك والاهتمام به، ومحاولة التقرب الروحي والنفسي له والتخلي عن فكرة الانفصال بعد هذا العمر، وكذلك محاولة الاشتراك في الأعمال والأنشطة الاجتماعية وممارسة الرياضات الذهنية التي تسهم في تفريغ الطاقات السلبية لإعادة اكتشاف نفسيكما معًا، وألا تكونا ضحية لرغبات ونزوات متأخرة بعد هذا العمر.

-ثقوا بالله وثقوا بأنفسكم وقدروا قيمة الحياة فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.


error: المحتوي محمي