وأنت تقرأ هذه الأسطر القليلة وقعت ملايين الحوادث في العالم ونقلتها المواقع ووكالات الأنباء في كلماتٍ وصور مشوقة ومهيجة، فهل يا ترى تستحق كل هذه الأحداث الجريَ خلفها ومتابعتها؟ لعلَّ هذا ما يفعله الكثير منَّا وهناك دومًا من يخالف المألوفَ والمعروف!
رحمَ الله الشيخ فرج العمران (١٩٠٣م – ١٩٧٨م)، في حين كان الناسُ منشغلين بما يجري، كان في هدوء يكتب سيرته الذاتية والمواقف الاجتماعية والطرف العلمية والأدبية، كتبها في مجلدات أسماها “الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية”. كتاب جمع فيه من الأزهار والورود ما تميز لونه وطابت رائحته، مضافًا لآثاره الأخرى. هكذا استفاد هو وغيره من المبدعين من فُتات الوقت وما تساقط منه الذي يهمله أغلب الناس.
أنا مع الأسف لم أعد اكتفي بقراءة الخبر أو سماعه، بل اجتزت تلك المرحلة فتراني أبحث عن مصادر ومصداقية الخبر، وكم من الناس تفاعل مع الخبرِ سلبًا أو إيجابًا. وفي كثير من الأحيان أشارك الخبر مع من أحب، وأترقب ردات أفعالهم. أخبارٌ سياسة وتسلية وصحة وعلوم وأنشطة محلية، محفظة لا تفرغ أبداً.
مقتطفات مع طرافتها وأهميتها تسرق من وقتي الثمين أكثرَ مما تستحق، حتى صرتُ مشغولًا بما حدث وماذا يحدث وما سوف يحدث من أحداثٍ متحركة في الزمانِ والمكان على حساب الحقائق العلمية الثابتة، والتي من الأولى أن أهتم بها.
كانت النساء في القديم يُتهمن زورًا بأنهن من يقضينَ الوقت في القيلِ والقال، دون عمل. والآن شرائح مجتمعية كبيرة تعبر الأعمارَ والأجناس والمهن تنشغل بالردود على الردود. فكم سوف يكون مفيدًا لنا لو اقتصرت تلك الاطلاعات على هوامشِ الوقت دون أن تأكل الوقتَ كله بلحمهِ وعظمه!
من التشبيهات الحديثة التي تصف ما نحن فيه هو “العمى الزمني”، فلم نعد نعرف ونميز الزمن ونعطيه قيمته الحقيقية. ذلك النوع من العمى يجعلنا ننشغل بالمهم فنضيع الأهم! مثلنا مثل من سار على الطريق منشغلًا بلوحات الإعلانات والرسومات الجانبية، غافلًا عن لوحات الأميال ومحطات الوقود والغذاء، فإذا به لا يصل حيث يريد، وإن وصلَ يصل متأخرًا!
أجزم أننا لو كتبنا سجلًّا لجرد حساب وقتنا أسبوعًا واحدًا – فقط – لهالنا كم من الوقت يذهب في الفقاقيع والزبد الذي لا ثبات له ولا امتداد على حسابِ المعدن الذي تزيده الكثافة والصلابة قدرةً على البقاء في أعماق الأرض وتخصيبها.