لكل مسجد أو جامع حكايته، ولكل موقع انتماؤه الحضاري وجماله وتميزه.
لكن الملفت في هذا المسجد المريح نفسياً عندما تمر حوله هو أن البيئة المحيطة به وبعض ما اتصف بِه من خصائص، جعلني أسميه على أساسها المسجد “الصديق للبيئة”.
إنه جامع “المغفور له محمد بن سالم السويدي” في مدينة العمال بصفوى.
أقيم هذا المسجد على نفقة المرحوم الشيخ محمد بن سالم السويدي، رجل الأعمال المعروف بمدينة راس تنورة (رحيمة) مدينة النفط والماء التي تقع في شرق المملكة العربية السعودية، وهي عبارة عن شبه جزيرة تحيط بها مياه الخليج العربي من ثلاث جهات.
ويقال في تسميتها سابقاً (رحيمة) وسميت رحيمة لأن موظفي “أرامكو” كانوا قد أقاموا منازلهم وسكنوا بجانب عين تسمى “عين رحيمة”.
ويقال أيضاً إنه كانت الأسماك تعلق في الشعب المرجانية، وكان السكان يأتون لأخذها بكل يسر ورحمة بدون أي خلاف مع أو بين أحد، أو نسبة لمنطقة صيد اللؤلؤ الذي تعرف باسم أم رحيم، هذه المدينة الرحيمة قريبة من مدينة صفوى التي تقع بضع كيلومترات جنوبها.
نعود للجامع المذكور والذي أقيم على نفقة هذا الرجل المحسن، وهو مؤسس لشركة السويدي وساهم في كثير من المشاريع الخيرية – رجل من رجالات هده المدينة رحيمة (راس تنورة) الآن.
وما يميز هذا الجامع، هو جمال النخيل المزروعة حوله والتي تحيط به ذات المنظر الجميل كلوحة فنية تسر الناظرين.
وما دعاني أن أكتب هو أمنيتي أن تكتمل حلقات الصداقة للبيئة في هذا الجامع وكل جوامع المحافظة بل والمنطقة الشرقية، بأن يكون مصدر ري الأشجار والمسطحات الخضراء التابعة للجامع هو بقايا مياه الوضوء بعد تدويرها، وبذا تكتمل حلقات الصداقة فهذه الأشجار المزروعة حول المساجد، تعطي بيئة أفضل، فالهواء نقي ونظيف، واستهلاك للطاقة أقل، درجات الحرارة أدنى، وجمال للمكان وهي أيضاً تقوم بحفظ المياه من الإهدار.
فكلنا يعلم أن العالم ويشمل المدن والتجمعات السكانية تعاني من تزايد في ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك تزايد في معدلات تلوث الهواء.
وتعد الاشجار من أهم وسائل الحد من تلوث الهواء ولها دور كبير في خفض درجات الحرارة، وبالتالي تقليل استهلاك الكهرباء.
ومن وحي هذا الجامع اسمحوا لي بأن أقدم دعوة إلى القائمين على المساجد في صفوى وكل محافظة القطيف لعمل مشروع يعيد تدوير مياه الوضوء لاستخدامها في الري.
ومن أجل إلقاء الضوء على موضوع تدوير مياه الوضوء، فهو مشروع قامت عليه “جمعية آفاق خضراء” التي من أهدافها مكافحة التلوث وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة والتوسع في زراعة الأشجار.
ومن أهم أهدافها الاستفادة من مياه الوضوء الفائضة بعد فلترتها إلى سقيا الأشجار التي لها دور في تلطيف المناخ وتقليل استهلاك الكهرباء وتنقية الهواء وتجميل المكان، وكان أول مسجد ضمن هذه البادرة هو جامع هيا بنت عبد العزيز الصبيح بحي الموسى بالرياض، حيث برز كأول مسجد من المساجد الصديقة للبيئة ويتم ري الأشجار التي حوله عن طريق تدوير مياه الوضوء المهدرة.
وتماشياً مع جعل مددنا خضراء وصديقة للبيئة، نطمح إلى تطبيق هذه الفكرة في كل مساجدنا، ومن هنا أتقدم بدعوة لكلٍ الخيرين القائمين على الجوامع والمساجد من أجل العمل على استغلال مياه الوضوء وتدويرها لتوجيه هذه المياه إلى خزان مخصص لتجميع المياه ويوصل بشبكة ري مناسبة تلبي احتياجات التشجير، بهذا يمكن أن نمنح المساجد منظراً جمالياً يندمج مع دورها الروحي والإنساني والحضاري.
رحم الله الشيخ محمد بن سالم السويدي ورفع منزلته في جنات الخلد.