ومن الحب ما هبل

نسمع دائمًا بالعبارة التاريخية “ومن الحب ما قتل”، إشارة إلى أن الإنسان قد يعرّض نفسه للموت من أجل حبيبه. والمتتبع للقصص الغرامية سوف يلاحظ حتمًا أن بعض العاشقين يفقدون عقولهم في لحظات معينة. حيث يقوم العاشق بمغامرة لأجل إشباع رغباته العاطفية. وتنتهي تلك المغامرة وهو باقٍ على قيد الحياة، ولكن في الوقت نفسه يدخل في دائرة الجنون. أي يكون الفعل “هبل” أكثر ما يليق بالوصف عوضًا عن “ومن الحب ما قتل”.

لقد أصبح “البرتو” العاشق المكسيكي الذي يسكن في مدينة “تيجوانا” خلال الأسبوع الماضي حديث الصحف حول العالم. فقد ذكرت صحيفة Times Now New أن “جورج” عاد لشقته في المبنى السكني بصورة مفاجئة. وسمع صوت رجل في غرفة الجلوس، إلا أن زوجته “باميلا” أنكرت وجود أي شيء. مدعية أنه يتخيل تلك الأصوات وأن غيرته المرضية، وتعاطيه للحشيش تسبب له في تلك الهلاوس السمعية.

وجلس على الكنبة الكبيرة منكسًا رأسه يحاول أن يقنع نفسه بأن الأمر لم يكن إلا نتيجة لتعاطيه للمخدرات كما ادعت زوجته. وما أن راحت تسأله عما إذا كان يرغب باحتساء كوب من الشاي معها. إلا وقد بدأ بالاعتذار لزوجته عن شكوكه. ثم هاج كالمجنون وراح يبكي ويحطم كل ما حوله. عله يخفف شعوره بالذنب. وحين رفع الكنبة الملاصقة للجدار ليرمي بها بعيدًا تفاجأ بوجود حفرة بين الجدار والأرض. وفجأة وقف يحملق بها إلا أنه سمع صوتًا من جديد. ثم اندفعت زوجته تحاول أن توقفه وتخبره أن الحفرة ليست إلا لكلب أو ما شابه. إلا أنه راح يقرب رأسه منها أكثر. وحاول إدخال كامل جسده، ثم وجد نفسه داخل نفق لا يتجاوز خمسة أمتار تقريبًا. وراح يمشي إلى أن وصل إلى طريق مغلق، وبمجرد أن رفع رأسه وجد فتحة أخرى. ورفع رأسه تجاهها فوجد نفسه في شقة معروفة لديه، وبانتظاره رجل. ولم ذلك الرجل إلا جاره “البرتو”.

وتعود بنا الذاكرة إلى مئات السنين عندما عجز وضاح اليمن عن لقاء معشوقته زوجة الوليد بن عبد الملك. فقرر الدخول لها مختبئًا في صندوق على أن ذلك الصندوق كان هدية من أحد التجار. وكلنا شاهدنا بالصور تلك الروسية “الجميلة” التي تم إخفاؤها في طبلون السيارة، كمحاولة لتهريبها عبر الحدود إلا أن رجال الأمن قد كشفوا الأمر.

أنفاق تحت الأرض وصناديق محمولة وأكياس مسحوبة. وجميعها تحتوي على بشر كانوا قد فقدوا عقولهم لأجل الحب الذي غير مسارهم وقادهم نحو السجن أو الموت. يقول جلال الدين الرومي: “من يسعى إلى الحب لا يهرب إلى ذاته”، والمقصود هنا بالهروب نحو الذات أي أن الإنسان يقوم بتسليم نفسه للقوة الشهوانية عوضًا عن القوة العقلية أي الخروج عن دائرة التعقل حسب فلسفة أفلاطون. ويقول ابن سيناء في قصة حي بن يقظان: إياك من النفس الشهوانية فإنها قذرة شره شبقة لا تملأ بطنها إلا التراب.


error: المحتوي محمي