في تصاعد حركة مفهوم ثورة الاتصالات، وما تمخّض عنها من صور يمكن التعبير عنها أنها ما إن تبدأ حالة إدهاش رقمي حتّى تتزامن معها حالة إدهاش آخر، تتكفل به مصانع أشباه الموصّلات التي ترفد العالم الاتصالي بكلّ ما له علاقة بالسرعة والصورة، ضمن مكونات اللغة الرقمية التي صارت للتعليم الحديث صوتا وعقلا في الحاضر والمستقبل.
ولعل الجانب النظري للتعليم الإلكتروني كان محلّ مواكبة وتعاطٍ واسع في الأدبيات المعاصرة، إلى حدّ بات يشعر المعايش بألا يمكن أن يتابع كلّ ما ينشر عن ذلك.
لكن ما كان ينقصنا عند تلك المرحلة القريبة، وهو الجانب العملي للتعليم الإلكتروني، كسائد ثقافي في لغة المجتمع الرقمي، إلى أن أقحمتنا الظروف في حالة إجبار للانتقال من معالم النظرية إلى واقع التطبيق، في سنة كبيسة، راح فيها العالم يحاول أن يخرج من معضلة واسعة، وهي جائحة فايروس كورونا المستجد.
ونتذكر كيف أن كثيرا من وزارات التعليم في كثير من البلدان، راحت في بداية انتشار الفايروس، تجري أكثر من سيناريو لاستمرار العام الدراسي الذي داهمته هذه الجائحة وأفسدت عليه عوالم الدراسة الحضورية، وبالفعل بعد عملية دراسة واستقراء جدّي، قررت وزارة التعليم إنهاء العام الدراسي عبر تسوية ركب الجميع قطارها، بما يمكن أن يصدق عليها قول الشاعر: فما حيلة المضطرّ إلا ركوبها.
بدأ العام الجديد كتجربة أولى للتعليم عن بعد، وسط محاولات جادة لتأمين أساليب تواصل رقمي، وذات كفاءة بمستوى يتناسب مع الظروف التي فرضتها الجائحة.
ووصلت وزارة التعليم إلى مجموعة من الحلول التي جمعت بين التعليم عن بعد عبر شبكة الإنترنت، وتخصيص منظومة قنوات تعلمية تليفزيونية ذات مردود استفاد منه الكثير، وبوجه خاص ممن واجهوا صعوبات في شبكة الإنترنت.
وبطبيعة الحال للتجربة الأولى للتعليم عن بعد، ظهرت بعض الصعوبات الاتصالية حتى لدى بعض المعلمات والمعلمين، فضلا عن الطالبات والطلاب، إلا أن ذلك لم يثنِ الجميع عن اتباع سياسة الحلول الممكنة في إيصال المنهج التعليمي لأبنائنا وبناتنا في السعودية.
ويستحق كثير من المعلمين الذين قدموا مثل هذه الحلول وتميزوا في بناء حالة ألفة مع المنصة التعليمية بجميع مفرداتها، الشكر الجم وثناء الجميع، حيث استوعبوا طلابهم أو طالباتهم عبر التطبيقات الإلكترونية المتاحة متى ما شعروا أنّ هناك ضغطا على الدخول للمنصة التعليمية.
وما يميز تجربتنا الأولى للتعليم عن بعد، يمكن إيجازها في مجموعة من النقاط، أهمها: وضع الجميع على المحكّ الرقمي، إذ تحوّل مفهوم التعليم الرقمي إلى ظاهرة عالمية استطاعت أن تنشر أساليب الممارسة والتطبيق الإلكتروني لهذا النوع من التعليم لدى المعلم والمتعلم، إضافة إلى أن هذه التجربة يمكن الجزم بأنها استطاعت أن توقف أي هدر تعليمي مما كان يحتمل حدوثه أيام التعليم الحضوري.
ولأن في التجارب علما مستحدثا، باتت التجربة تستحق أن يتم تطوير ومعالجة كل أدواتها التي تحتاج إلى ترقية، ويبدو أن وزارة التعليم جادة في تفعيل التعليم الذي يوفر كلا النمطين من التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وهذا أمر جدير بالاستفادة من المشتغلين في تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا الاتصالات، وليت الوزارة تقوم بتنظيم مسابقة هاكاثون لتطوير التعليم عن بعد بكفاءات أبنائنا وبناتنا المختصين في كثير من هذه الحقول الحديثة
ليس هذا فحسب، بل لماذا لا يتم الاهتمام أكثر بمقررات البرمجة والحاسب في مدارس التعليم العام، ولو ضمن أحد المسارات التعليمية التي أشارت وزارة التعليم قبل فترة قريبة إلى عزمها على ذلك.
شبابنا فيه من الخير الكثير على مستوى الإبداع العلمي والتخصصي، وهذا ما يشهد به واقع التفوق لمجموعة واسعة من المبتعثين الجامعيين أو طلاب التعليم العام في برامج موهبة.
إن واقع التجربة التعليمية للتعليم عن بعد يستحق أن تقوم مراكز الأبحاث في بعض جامعاتنا لتخصيص دراسات شاملة وميدانية حول ذلك، وكلّ متوقع آت، وكل آت قريب.
المصدر: آراء سعودية