الإنسان والهبات الإلهية

قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

إن المتفكر المتدبر في دقة هذا الكون الفسيح من حولنا وما فيه من خلق الله اللاّمتناهي، تذهله الدقة والتماسك  لمخلوقات هائلة الضخامة والإبداع والتنوع جميعها من سماوات، وأراضين وكواكب، وأفلاك، ومجرات، وجميع ما نراه وندركه بحواسنا من  مخلوقاته، ما يدعونا لنقف ولنتأمل في روعة المناظر وتناسقها ونأخذ نفساً عميقاً متفكرين ومتدبرين ومدركين أن من خلقها بالدلائل الثابتة القاطعة أنه الواحد الأحد الفرد الصمد الحي الدائم الباقي ذي الجلال والإكرام وراء هذا الصنع والإبداع لهذه المخلوقات، فنقدسه سبحانه لا إله إلا هو على عظمته و قدرته وصنعه سبحانه جل في وحدانيته وعلوه.

قال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}.

وإذا أخذنا هذه الأرض الهائلة في التكوين والمكونات والتي نعيش فوقها، حيث خصها بما يجعلها مكاناً كاملاً معداً ومُهيَّأ ومملوءاً بالجمال، والإبداع، والتنوع وبالنعم، والخيرات، والتوازن فوقها وفي باطنها وحولها ولا يزال رغم ما نستهلكه من خيراتها تختزن الكثير الكثير، إذ جعله سبحانه وتعالى كنوزاً مدخرة لا تنبض ولا تنتهي كل ذلك لكائن خلقه ويعيش على هذه الأرض.

قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ}، مخلوق يريد له الاحترام، والتكريم، والكرامة، والرفعة، والرغد، في عيشه والأمان لأنه سيضع فيه أسمى وأجل المكونات التي تليق بمن يعمر هذا الكوكب (الأرض) وينمي خيراتها ويزيدها ازدهاراً بما يكفل له ولبقية البشر الخيرات والتطور والسعادة والنماء.

واْشتق الله سبحانه و تعالى لهذا الإنسان، من الصفات الخلقية والخلقية لا تماثل ولا تشابه بل تختلف اختلافاً كبيراً عن  المخلوقات والكائنات الأخرى كافة، فهو معجزة أحادية التركيب والتكوين والهيئة.

وقد فصل علم التشريح في الطب ما يحتويه جسد الإنسان من أجهزة داخلية وخارجية، ظاهرة وما هي فوائدها للجسد قد أذهلت العلماء من عظمة التركيب ودقة العمل لكل خلية وجهاز في بدن الإنسان، كما وهبه مخزوناً ضخماً من القدرات والطاقات وفتح له أبواب العلوم، والمعارف، والأسرار المعرفية، وميزه بالعقل المحكم الذي يمكنه من فتح أبواب العلم والمعارف بجميع أنواعها.

وهو كالنور المتوهج ينير ويضيء له رحلته طوال حياته لا ينطفئ، فيميز له الخير من الشر والصواب من الخطأ وينبهه من الأخطار ليحفظه من أي ضر أو سوء ربما يؤذي نفسه وغيره من البشر، فهو عبارة عن سلطة شرعية وقانونية عالية الحساسية والدقة توجهه إلى الصواب رحمة وعطفاً من رب العالمين لأن رأفته ورفقه به أعظم وأكبر من أن توصف لأنه سبحانه وتعالى أراد من خلق الإنسان أن يحيط به الأمان والطمأنينة والسلام للاستمرار في التفكر والتدبر والتعلم والاطلاع والإنتاج وبناء حضارات وثقافات وأن يتقدم ويبدع في جميع ما يحتاجه البشر، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿9}.

وقد عرفه على ذاته من هو ولماذا خلق وكيف يأخذ بنفسه إلى الأمان والسلام في الحياة الدنيا وكيف يخلد في نعيم الآخرة وما هي الأعمال والوسائل التي تمكنه من النجاة، فلكل إنسان من البشر نفس بشرية تعتبر من أهم ما في الإنسان وإن كنا لا نراها، فكل مخلوق يدركها فهي كالمد والجزر في البحار، علينا أن لا نتركها تأخذنا إلى الغرق وأن نعرف كيف نوجهها إلى سبل الصواب، بأنواع الأعمال والتصرفات التي ترضي الله سبحانه وتعالى.

فهي على وجه الشبه عبارة عن وعاء أو خزانة علينا أن نملأها بما خلقنا لأجله إذ منحنا سبل الهداية من خلال الحقائق الواضحات وأنبت لنا الصفات الإنسانية التي يحبها الله سبحانه وتعالى كالرحمة والعطف والمودة والسلام، وحب الخير، ومساعدة الآخرين، وعلينا أن نحمي ونحفظ أنفسنا من الميل إلى دروب الشر الموجودة أيضاً داخل أنفسنا، فنظل ونشقى وأن نبحث عن الأعمال الصالحة التي تسمو وترقى وتليق بالصفات الإنسانية التي خص الله سبحانه وتعالى بها الإنسان وخلقه ليعملها، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.

وإن اختلفت الطاقات والقدرات والهبات الإلهية من شخص لآخر، تبقى نعم الله سبحانه وتعالى تنهمر علينا دون انقطاع ويغيثنا بتسخير أوجه الخيرات ويرفق بنا عند الشدة والحاجة ويزيد في إلهامنا عند أي امتحان وابتلاء، فينعم علينا وينقذنا من المهلكات ويهدينا بهداه فنسلم.

اللهم ملكنا زمام أنفسنا، لا تميل بنا إلى الهاوية، لك الحمد حتى يبلغ الحمد منتهاه ويليق بالحمد والثناء عليك يا أرحم الراحمين.



error: المحتوي محمي