يعتقد الفيلسوف ألبير كامو أنَّ المثقف «هو من يستطيع عقله مراقبة نفسه» وفي حين أنَّ الثقافة هي في أساسها المعرفة والعلم إلاَّ أنَّ ألبير كامو أضاف لها بعدا أخلاقيا، بحيث تنتفي الثقافة برأيه حينما لا يتخلق صاحبها بمراقبة النفس التي تدعوه لأن يمنعها من الموبقات، ويدعوها إلى الفضائل، أهمية هذا الجانب -فيما أرى- هي أنَّ نسبة ربما ليست قليلة من شريحة المثقفين تفتقد لفضائل تعتبر ركائز أساسية في أخلاق الإنسان، وهي حينما تكون كذلك فإنها ستكون من أسوأ شرائح المجتمع في حين ينبغي أن تكون الأفضل.
الحديث عن نسبة من المجتمع غير متخلقة بالفضائل لا يبدو مهما، لأنَّ التنوع البشري أمر بديهي ويقتضي ذلك، غير أنَّ المشكلة هي أنَّ المثقف بطبعه واعظ اجتماعي، هكذا هو دائما منبر متنقل يطرح للآخرين آراءه بصفتها قيما ومُثُلا ينبغي الاعتقاد بصحتها والعمل بها، لذا فحينما يكون هذا المثقف مليئا بالعُقد الاجتماعية التي تجعله يهاجم الأديان والفضائل والأخلاق، فإنَّه سيكون منبرا لنشر الفساد في المجتمع، هذا لأنَّ فكرة «أنا أتمرد إذن أنا موجود» كما أطلقها ذات الفيلسوف ألبير كامو ليست في كل الأحيان صائبة، وهي المرض الذي يعاني منه أكثر المثقفين، إنه عقدة التمرد على المجتمع، التمرد على أخلاقه، قيمه، عاداته وتقاليده بصفتها رجعية دون أن يمنحوا أنفسهم مقدارا كافيا لدراستها، بطبيعة الحال فإنَّ الغرور أحيانا يولد لدى الإنسان الجهل المركب، وهو الذي يجعل صاحبه جاهلا بأمر ما، ويجهل جهله، فهو إذن يفتي ويرجح ويسفه الآراء دون أن يملك من العلم ما يسمح له بذلك.
نسبة من المثقفين أصبحت مع بالغ الأسف معاول هدمٍ أخلاقي وقيمي في المجتمع، ومثلما حكمت الكنيسة على «غاليلو» بالقتل لأنَّه طرح رأيا علميا، فإنَّهم يعتقدون أن تسفيههم لمعتقدات مجتمعهم وأخلاقه وقيمه التي يواجهها المجتمع بردات فعل عنيفة هي أمر طبيعي، فالمصلحون دائما ما تواجههم مجتمعاتهم المتخلفة بالهجوم والتسفيه، فيما الحقيقة أنَّ نسبة من هؤلاء المثقفين ليسوا سوى جهلة في قضايا نصبوا أنفسهم عليها حكاما فكشفوا بغرورهم قبح أخلاقهم، وهذا تماما ما جعلهم من غير قصد الطبقة الأسوأ في المجتمع.
المصدر: آراء سعودية