ليس كل كورونا خطيرًا ومرعبًا

مقدمة

في ديسمبر كانت “كورونا”… والكلمة إمبراطورة وتاريخ، كما يرى نيقولاس أوستلر في (إمبراطوريات الكلمة)، زحفت على العالم وأصبحت هي كلمة عام 2020م، رغم أنها أنجبت “كوفيد-19″، لكن جمالها وخفتها ورشاقتها جعلتها المفضلة عند عشاقها، والمشكلة أنها عشيقة الجميع بطرق مختلفة. وكما قيل، ومن الحب ما قتل، قتلت أبرياء، ولخبطت حياة الناس، عزلتهم، جعلتهم يخافون الاقتراب من بعض بسببها، حتى من تسمى باسمها من قبل أن يعرفها الصينيون في يوهان، ويطير بذكرها البشر في باقي البلدان. قبل ذلك، كان اسم كورونا، اسم للورود الجميلة، وهالة النور، والحلوى اللذيذة، والأماكن الراقيَّة، والفتاة الجميلة، والجعة المحبوبة، والسيجار البرجوازي.

ومضة تاريخية

جائحة (فيروس) كورونا (2019-2020م)، أو جائحة كوفيد-19، هي جائحة عالمية مستمرة حاليًا بمرض كورونا وسببها “فيروس كورونا-2″، المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة (سارس-كوف-2)، سميَّ لاحقًا بـ (كوفيد-19)،  تفشّى المرض للمرة الأولى في مدينة يوهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر عام 2019م، وأعلنت  منظم الصحة العالمية رسميًّا في 30 يناير2020م أن تفشي الفيروس يُشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي، ثم أكدت تحول الوباء المتفشي إلى “جائحة” يوم 11 مارس2020م. حتى تاريخ 15 ديسمبر 2020م، أُبلغ عن قرابة 9 ملايين إصابة بكوفيد-19 في أكثر من 188دولة في العالم، بأكثر من 620 ألف حالة وفاة، وتعافي أكثر من 4 مليون مصاب. ويقال أن الولايات المتحدة أكثر الدول تضررًا من هذه الجائحة، حيث سجلت أكثر من ربع مجموع عدد الإصابات المؤكدة عالميًّا.

وقد بدأت في هذه الأيام حملة التطعيم ضد الفيروس بعد التوصل للقاح، مع قبول ورفض، وتأكيد وتشكيك، ويبدوا هذا أمر طبيعي، وقد حصل في كل الأوبئة والجوائح السابقة، لكن هذه المرة ملحوظ بشدة نتيجة ثورة الاتصالات، التي أنتجت أشكالًا من طرق البث والإعلام والتواصل بين البشر، وصاروا كأنهم “عيال قرية”، كما هو منطوق العبارة العربية في دول الخليج.

كورونا وكوفيد

أطلق اسم “كوفيد-19” على فيروس كورونا الجديد الذي تعتبر منطقة يوهان الصينية مكان ظهوره ومنها انتشر ليصل إلى ملايين البشر حول العالم، وسبب تسمية الفيروس بهذا الاسم يرجع إلى أول عملية تحليل أجريت للفيروس تحت الميكروسكوب وتبين أن شكله يشبه “التاج”، وفي اللغة اللاتينية (والتي هي معتمد الاصطلاحات الطبية) يسمى التاج “كروان” (crown)  ومنه اشتقت كورونا (corona). أمَّا «كوفيد 19» ، كاسم، هو اختصار للاسم العلمي ((Corona Virus Disease-19 الذي اختاره خبراء منظمة الصحة العالمية، بعد عدة تسميات، (انظر سلسلة “كورونا: البعد اللغوي”، المنشورة في جهينة الإخبارية)، والاسم المختصر يتمثل كالتالي: الحرفان «CO» هما أول حرفين من كلمة ) «CORONA» كورونا)، والحرفان «VI» هما أول حرفين من كلمة«Virus»  (فيروس)، والحرف «D» هو أول حرف من كلمة «Disease» (مرض)، أمّا الرقم«19»  فهو اختصارٌ لسنة ظهور وانتشار الفيروس«2019»  (2019 الميلادية).

كورونا: أصل وتاريخ

“كورونا” أصلها “كْرَاونْ” crown))، أي “التاج”، وهو مستوحى من الكورنا اللاتيني (إكليل يلبس على الرأس كعلامة شرف أو شعار مُلْك أو عظمة)، وهالة حول جسم سماوي، والجزء العلوي من أعمدة الديكور في المباني والتي تأخذ أشكالًا تاجية مختلفة.

حسب قاموس أكسفورد الإنجليزي، اللغة الإنجليزية الوسطى، الممتدة من الفترة من 1150م إلى1500 م، استعارت كلمة “كورون” الأنجلو-فرنسي، بمعنى إكليل، الذي يُلبس على الرأس كعلامة شرف أو شعار أُبَّهة، وهو أصلًا مستعار من كلمة “الغراب” (korṓnē)، اليونانية، وهو الطير المعروف الآن بـ “crow”، أو بالمعنى الشيء المنحني أو المعوق، وحسب معجم ميريم ويبستر الشهير، أن التراكيب المختلفة لكلمة “كروان” انتقلت من اللهجات الغربية اليونانية إلى اللاتينية، ومنها إلى اللغات الأوروبية الحديثة.

كورونيات محايدة

حسب معاجم اللغة الإنجليزية، “معجم ميريم ويبستر” وأكسفورد، و”كامبريدج” والمعجم الافتراضي على الشبكة العنكبوتية (dictionary.com)، كلمة “كورونا” تعني الأمور التالية:

  1. أي شيء يوحي بتاج.
  2. الجزء البارز من افريز كلاسيكي.
  3. الجزء الخارجي الهش من الغلاف الجوي للنجم (مثل الشمس).
  4. دائرة الضوء الناتجة عن التقارب الواضح بين غاسل الشفق القطبي.
  5. الجزء العلوي من الجزء الجسدي (مثل السن أو الجمجمة).
  6. في علم الفلك: دائرة بيضاء أو ملونة أو مجموعة من دوائر متحدة المركز من الضوء تظهر حول جسم مضيء، خاصة حول الشمس أو القمر، بسبب الانعراج الناتج عن قطرات معلقة أو أحيانًا جزيئات من الغبار، وتسمى أيضًا هالة (aureola)، وهو غلاف مضيء بشكل خافت خارج (كروموسفير الشمس)، ويتكون الجزء الداخلي من عناصر شديدة التأين.
  7. في الأرصاد الجوية: مثل هذه الدائرة أو مجموعة من الدوائر ذات نصف قطر صغير ويتراوح لونها من الأزرق من الداخل إلى الأحمر من الخارج، ويُعزى إلى الحيود الناجم عن الغيوم الرقيقة أو الضباب أو الغبار أحيانًا (مميزة عن الهالة).
  8. في علم النبات: زائدة تشبه التاج، أو ملحق أو سلسلة من الزوائد الموحدة على الجانب الداخلي للكورولا في بعض الزهور (مثل النرجس البري أو جونكويل أو عشب اللبن)، أي هو هيكل على شكل تاج على الجانب الداخلي من بتلات بعض الزهور، كالنرجس البري.
  9. في التشريح: الجزء العلوي الذي يشبه التاج لجزء من الجسم أو الهيكل، مثل الجزء العلوي من الرأس.
  10. في هندسة الكهرباء: كورونا التفريغ: (corona discharge) هو إفراز شحنة كهربائية، يكون مضيئًا بشكل متكرر، على سطح موصل أو بين موصلين من نفس خط النقل، مصحوبًا بتأين الجو المحيط وغالبًا بفقدان الطاقة.
  11. في هندسة العمارة: القطعة البارزة التي تشبه الكرانيش الكلاسيكية المدعومة بقولبة السرير أو بواسطة المودلات، أو الأسنان، وما إلى ذلك، ليدعم الجزء العلوي من الكورنيش، المسمى بـ “cymatium”، وفيه أيضًا ثُريَّا من المعدن المشغول لها شكل واحد أو أكثر من الأطواق المتحدة المركز.
  12. في لغة الكنيسة: صبغة في لباس رجل الدين الكنسي؛ شريط ذهبي اللون حول الحافة السفلية لغطاء رأس كهنوتي.

كورونيات جميلة

المعاني والدلالات سابقة الذكر، من تيجان للزهور وهالات الشمس والنور، وغيرها، رغم جمالها لا تلامس اهتمامات الإنسان العادي مثل المعاني الجميلة والقريبة منه كثيرًا، لارتباطها بأسماء لمتعة ولذة وطرب ومسيقا وطبيعة وسكن، كالّتي تبرزه “الكورونيات” التالية:

  1. “الكورونا” (la corona): اسم سيجار طويل ذو جوانب مستقيمة حتى النهاية، تُشعل ويكون حادًّا تمامًا في الطرف الآخر. (“la” أحد أدوات التعريف في اللغة الأسبانية، مثل “أل” في العربية)، ومثله:
  2. “الكورونا” (la corona) اسم موقع أثري أكتشف في منطقة مايا في غوانتيمالا عام 1999م.
  3. “إكسترا كورونا”، (Extra Corona) اسم نوع من أنوع الجعة (البيرة، الفقاع) الشهيرة في المكسيك.
  4. “كورونا” اسم مدينة جميلة في جنوب كاليفورنيا، شرق لوس إنجيليس في مقاطعة ريفرسايد (Riverside County)، باسم (The City of Corona)، تبعد عن لوس أنجيليس (Los Angeles) بـسبعة وسبعين (77)كيلومتر. توسم “كورونا”، التي عدد سكانها حوالي مائة واثنان وخمسون ألف (١٥٢،٣٤٧)، بـ “المدينة الدائرة” ((The Circle City، و”قرية التاج” (Crown Town)، وختمها الرسمي (The Official Seal) يحمل صورة “تاج ملكي أصفر”.
  5. كورونااسم أشهر فرقة غنائية إيطالية تعرف بــ »فريقكورونا الغنائي« وهذه الفرقة بدأت نشاطها في منتصف التسعينيات واسم كورونا في اللغة الإيطالية، وهي لغة أوروبية، يقصد به »التاج«.
  6. “كورونا شروتر” اسم مطربة ألمانية من أشهر مطربات القرن الثامن عشر، وهي شقيقة المؤلف “فيلهيلم شروتر”، وقدمت أعمالاً كلاسيكية شهيرة في الموسيقا بالتعاون مع يوهان فولفغانغ فوت غوته، حسب موقع يورونيوز الألماني (euronews). وذكر موقع خبرني في 26 مارس 2020م أن أسرة هندية أسمت ابنتها المولودة “كورونا”، وليس ذلك “للاستهزاء أو السخرية أو التقليل من خطر الوباء العالمي، بل من أجل التفاؤل في إيجاد حل والدعوة إلى التوحد والتماسك في هذه الأزمة”. وحسب “موقع الحرة”، في 4 أبريل 202م، عائلة هندية أيضًا تطلق اسمي “كورونا” و”كوفيد” على توأمها، الأول ولد والثاني بنت للتعبير عن “الانتصار على الصعاب”.
  7. كورونا اسم لنوع من الشوكلاتة ((Corona Sweet Chocolate Bar لشركة في كولومبيا، وهو اسم أيضًا لشكولاتة مصرية تنتجة “شركة سونيد”، التي كانت في الأصل “كورونا: شركة الأسكندرية للحلويات والشكولاتة”، وقد تأسست الشركة في العام 1919م على يد رجل أعمال يوناني ثم تَمَّ تأميمها من قبل الحكومة المصرية العام 1963م.
  8. كورونا اسم شركة أدوات ( (Corona Toolsأمريكية ومسجلة باسم (Corona: Season After Season)، وتطلق على أدواتها، مقص كورونا، منشار كورونا، وهكذا، وتسوق منتجاتها عن طريق شركة أمازون (Amazon).

في الختام، لَيْسَ كُلُّ “كُوُرونا” فَيْروسي مُمْرِض، بل هو اسم جميل شوهته الجائحة، فظلمته التسميَّة باسمها، ولعلَّ “كورونا ثريباتي”، الطفلة الهندية، تكون وسمة تفاؤل للخروج من هذه الأزمة ويفرح بها أهلها وتفرح البشرية معها بأكليل الزهور انتصارًا على فيروس غير مرئي أبان ضعف الإنسان رغم آلته وعلومه وماله فمر بـ “صعاب” ضحك في وجهها الأبوان الهنديان، الأم “بريتي” (الأم) و”فيناي” (الأب) فسميَّا توأمهما “كورونا” و”كوفيد”، فليحمي الله “الكوفيدة” من كوفيد-19، وكلَّ أطفال العالم، بما فيهم أخيها “كورونا”.


error: المحتوي محمي