تأملات رحمانية في سورة الرحمن (٥)

قال تعالى: {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}، بعد أن قال تعالى: {وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ} فهو بعد ذلك يضع الآلية العملية بنهيه وأمره لمساعدة العباد على اتخاذ العدالة شريعة كونية بدلًا من شريعة الغاب والتعسف والتعدي، ونهب الحقوق والفساد في كل الأمور والمواطن، وفي العائلة وفي المدرسة وفي العلاقات الاجتماعية والمهنية والشخصية والتعاقدات التجارية والمالية والمعاملات المؤسساتية.

فالآية تريد أن تقول: لا تضيعوا الأمور وتتسافه عندكم وتسقط القيم ابنوا كل شيء على مصدر الخير والحق والصواب.

كل شيء وله حد فلا تتعدوا الحدود ولا تتعدوا أن الله لا يحب المعتدين يعطي كل شيء حقه ومستحقه فمثلًا لا يفشي السر للعامة ولا يخرج ما في البيوت من الأسرار للجيران وكل الأهل والأصدقاء هنالك حدود وحدود الشرع أكبر خط أحمر تلك التي صرح عنها القرآن الكريم مرجعنا الأكبر في قياس العدل وموازنة الموازين.

فمثلًا في نظام الأدوية هنالك ما يعرف بالجرعة وتركيب الجرعة السريري ومقدارها وهي تحسب وفقًا للعمر والوزن وحدة الحالة المرضية فهل يمكن لأي طبيب أن يعطي جرعه الشخص البالغ للطفل؟ بالطبع لا، هكذا هي العدالة لا يعطى شخص إلا بمقدرته ومقدار تحمله ولكل حقه.

فكما في المعادلات الكيميائية والرياضية هنالك جانبان واحد عن اليمين والآخر عن اليسار فلابد لنا أن ننظر لهما بتساوٍ وأن تعادل كل منهما الأخرى هكذا فعندما نقدم على فعل نضع هذا الفعل في الجهة اليمني ومصداق ومرجع هذا الفعل في اليسرى ثم نوازن فإن كان ينطبق مع الرؤية القرآنية تحقق الميزان العادل المقسط Equilibrium.

وهذا يكون ظاهرًا في استخدام القدماء الميزان في المتاجر ومحلات بيع الفاكهة والخضار ولايزال البعض يستخدمه لحساب الكيلوغرامات من المواد المباعه وما يعادلها من قيمة ورقية وهنا يكشف المتبقين من غيرهم من الناس فمن يزيد القيمة الورقية وفقًا لهواه دون معيار ثابت فهو بتعبير القرآن يطغى في الميزان والعياذ بالله.

وأقيموا الموازين القسط لله وأسسوا بنيتكم التحتية الفكرية والعائلية والاجتماعية والدولية على أسس من التقوى والقوانين العادله الواحدة التي لا تتجاوز أو تخترق إلا بعقوبة ليمضي ويثبت قانون العدالة وعدم تضييع الحقوق والموازين وقد بادرت حكومتنا الرشيدة المملكة العربية السعودية في نهضتها الأخيرة ورؤيتها السديدة لمبادرة مكافحة الفساد في جميع الميادين خصوصًا التجارية والاقتصادية تحت رعاية ولي العهد المسدد من الله الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ووفقه وهي، تتخذ القوانين الصارمة في حق كل من يتجرأ ويعبث بموازين وثوابت العدل والقانون بكل جزم اتمنى من الجميع المزيد من العمل والتعاون مع الجهات الحكومية ومرحبًا بهكذا دولة تعرف أين تضع يدها لنبدأ بعدالة قرآنية مضيئة تضيء دروب الحياة القادمة.


error: المحتوي محمي