ما إن تظن أنَّ عقابا لاذعا لطفلك قد جعله يُقلع عن ذنب ما، فإنَّك من حيث لا تشعر بذرت فيه أول بذور الكذب، وما إن تصنع فيه هذه البذرة حتى تصنع في إخوانه بذرة التنصت والفضول، يعني ذلك أنَّ طفلا حينما يرتكب ذنبا أمام والديه وهو يتراقص أمامهما مسرورا به فيعاقباه بأقسى صورة عوضا من أن يُعلماه، فإنه سيكون مستعدا في المرة القادمة للكذب لنكران أنَّه أعاد ذات الذنب من جديد، أما إخوانه الذين كانوا شهودا على ذنبه فإنهم سيمتلكون من التزلف ما يجعلهم يسارعون لتقديم شهاداتهم على أخيهم المذنب، وهكذا سيتعلمون تدريجيا صفة الجاسوسية التي تسلخهم من إنسانيتهم السوية وفي سن مبكرة من حياتهم لتجعلهم معتوهين ومشاريع لرجال فاسدين في المستقبل.
إنْ استطعت بناء طفل صادق فإنك بذلك استطعت أن تبني صفة غاية في الأهمية في مضمار التكامل الأخلاقي، ولا شك أنَّ العكس صحيح، إن الإنسان الذي اعتاد الكذب والتنصت والتزلف منذ نعومة أظافره هو بذاته وبنسبة غير قليلة الإنسان الفاسد الذي ينتهز كل الفرص للتلاعب بالنظام وربما مخالفته، إذن فحالما تبحث عن بناء طفل يكون إنسانا حقيقيا حينما يكبر، اصنع فيه صفة الصدق، تلك الصفة التي تستدعي احترام خياراته في طفولته والتعامل الحكيم مع الأخطاء الطبيعية التي يرتكبها وتأكيد أنَّ الصدق الذي يتفوه ويتخلق به هو منجاته من كل ذنب، وهو حينها سيجعل منه إنسانا يسير إلى أعلى درجات الكمال، هذا الصدق هو تماما ما سيجعل من نسبة عالية من سلوكياته منضبطة وتحترم القانون، لن يستهلك من المناديل الورقية في الأماكن العامة أكثر مما يحتاج، لأنَّ مصداقيته تحتم عليه ألا يفعل ذلك، لن يأخذ أكثر من طاقته من طعام البوفيهات والأفراح ولن يتجاوز طابور المنتظرين لأنَّ صفة الصدق تجعل سلوكه متزنا منضبطا محترما للقانون، وهكذا حالما يتقلد المناصب العالية سيكون مثالا للإداري الصالح.
عانت الطفولة ولفترات طويلة في بلداننا العربية من سادية مفرطة في التربية، هكذا كان الكثير من الآباء يعتقدون أنَّ العنف يصنع الطفل الملتزم، وهكذا أفرطت نسبة من المدرسين في شتى أصناف التعذيب النفسي والجسدي لأنَّ طفلا قهقه في الفصل، أو لأنَّ آخر لم يستطع أن يكتب الآية «فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ» كما ينبغي، هذه السلوكيات هي التي أسهمت في بناء طفولة مضطربة، وحالما نستبدل العنف بسلوك تربوي هادئ وحكيم يخلق في الطفل صفة الصدق، فإننا نستطيع جزما تخطي نسبة غير قليلة من طريق بناء الإنسان الكامل.
المصدر: آراء سعودية