لكن الموت كان أسرع يا سمية…

يمنحنا العمل الصحفي التواصل مع الآخرين وفتح جسور التعرف على أفراد المجتمع وما يحملون من إنجازات نحاول معهم نقلها إلى الناس وكيف كانت هذه الإنجازات التي تعكس مقدار التحديات التي واجهوها، وجعلوها سلاحًا لمحاربة الفشل والعجز والمواقف السلبية التي كانت عائقًا أمامهم، والوصول بعد التعلم والتدريب والعمل إلى طريق التميز والإبداع الذي يصبون إليه.
وتتعدد طرق اكتشاف إنجازات أفراد المجتمع في العمل الصحفي، من خلال؛ معرفة شخصية، أو لقاء عابر، في فعالية اجتماعية أو خاصة، وقد تكون توصية من شخص كانت لنا معرفة معه في الحياة العائلية أو الاجتماعية، لمس إنجاز أحد أفراد المجتمع فدق لنا الجرس منبهًا بالبحث عنه والنظر له بعين العناية.
وفي هذا السياق تلقيت يوم الأربعاء اتصالًا من صديقتي مريم المضوي تسألني إن كان بالإمكان الكتابة عن فتاة تتقن حياكة الصوف بفن الكروشيه، رحبت بها، ولم أتردد في الاتصال بأختها عالية بعد يومين، شعرت من صوت أختها الحاني أنه يفيض حبًا أخوي وكأنها جزء منها، تؤمن بأن لها أختًا تحمل إنجازًا لابد أن يخرج إلى النور ويشاهده ويقرأ عنه الجميع على منصة «القطيف اليوم» ويصبح لها شمعة لدخول الفرح إلى قلبها الطيب، ومحاولة لملمة شتات مشاعرها مع تعدد الأزمات الصحية التي تتعرض لها منذ الصغر، دون علم منها.
وتحدثت مع أختها عنها شعرت حينها كأني أخاطب تؤمها بقولها: “ولدت أمي أختي سمية قبل أن تكمل عمرها الرحمي، حيث تعرضت والدتي لولادة مبكرة ثلاثة أشهر نتيجة تعرضها لصعق كهربائي أثناء فترة الحمل، مما كان له أثر على سمية وإصابتها بمشاكل صحية استمرت معها بمرور سنوات عمرها، وكبرت أختي بيننا تزهر بثغرها الباسم، وكلمتها الطيبة تجسد الخلق الحسن أينما حطت رحالها، مع تعدد صنوف البشر، نشعر في تعاملنا معها أنها سيدة فريدة من نوعها في التواضع وطيب السجايا”.
والتحقت سمية بالدراسة في المدرسة ومضت خلالها تصارع شدات الألم، وبين صحة وفرج ترمق الجميع بعين الرجاء أن يمنحوها فرصة للتعلم ونهل بعض العلوم مع ما تحمل من ألم، إلا أنها اكتفت ببعض السنوات الدراسية، وعليه كان عليها الوعي بأهمية التركيز على صحتها والتعايش مع حالتها الصحية وكان ذلك يتطلب منها حمل بعض الأجهزة التي تمدها بالتنفس الذي تعجز على لفظه ليهبها الحياة.
وفتحت لها أختها عالية أفقًا رحبًا لتعلم فن الكروشيه وحياكة نماذجه البسيطة، كتجربة أولى، إلا أنها مع الوقت أتقنت الصحبة مع الخيط والصنارة والقلاب، حيث تشعر من خلالهم أن مد الخيوط بتجدد الأمل، الذي بداخلها، وعندما كانت تنتقل بين الغرز كأنها تقطف أزهارًا، وعندما تنتقل بين النماذج كأنها تجدد فصول حياتها بالألوان الجميلة الخلابة، مع تعدد الإنتاجات، دفع إلى أختها إلى عرض أعمالها على صديقاتها اللواتي أنبهرهن بعملها وطلبن شراءه منها بل وإنجاز غيره.
وأصرت سمية على ألا تعيش على هامش كانت تنثر بصمتها في أرجاء بيتهم في التنظيم والترتيب لكل جزء فيه، يرافقها الرعاية للجميع بقلبها الطيب، وعلاقتها الحنونة مع الجميع من أكبرهم إلى أصغر فرد فيهم.
وعلى الرغم من ضعف بدنها إلا أنها لم تفتر يومًا عبادتها وعلاقتها مع الله، وتجديد القيام بالواجبات في وقتها والمستحبات، بعلاقة خاصة مع خالقها، تنفرد معه كأنها في محارب الملكوت الرباني، حيث كانت لا تترك الأدعية اليومية القصيرة أو الطويلة، وما يتبعها من زيارات خاصة للمعصومين عليهم السلام، تلهج بقلب خاشع يئن عشقًا وشوقًا لرحمة الله.
هذه التفاصيل كانت نافذة عن حياة الشابة سمية حسن الضامن التي غيبها الموت يوم الثلاثاء ٢ ربيع الآخر ١٤٤٢هـ، والتي علمت بتفاصيل حياتها من رواية أختها عالية وأمها طيبة الماحوزي قبل خمسة أيام من رحيلها عن الحياة، بهدف مفاجأتها وإدخال ولو القليل من الفرح على قلبها الغض، إلا أنها رحلت قبل أن أخط حرفًا واحدًا فقد كنت أنتظر إرسال أعمالها الفنية لأستزيد من محصلة المعلومات التي لدي.
سمعت خبر وفاتها كباقي أخبار الوفيات الواردة لـ«القطيف اليوم» وطلب رئيس التحرير إنجاز المهمة بالتواصل مع ذويها، وأنا أسمع الأسماء منهم أقول في خلدي كأني أعرفهم، ومع أول اتصال بأختها اتصلت على أن الرقم غير محفوظ في الهاتف، إلا أنه ظهر الاسم: عالية الضامن، وهنا السؤال؛ من أين أعرفها، وعند الرجوع للواتساب كان الحديث يوم السبت: متى ترسلين الصور؟ لتجيب: اليوم، ومع زحمة المهام نسيت أن أعيد تذكيرها.
شعرت وقتها بحالة من التقصير تجاه من طلبوا خدمة عجزت عنها، وهنا لا أملك إلا الاعتذار لهم والدعوة لهم بأن يلهمهم الصبر والسلوان، وأسأل الله أن تكون هذه السطور قد عبرت حتى بأقل القليل منى، بعد أن غابت سمية قبل قراءة ما كتب عنها!


error: المحتوي محمي