الغذاء أصبح سلعة تخضع لقوانين السوق، وعليها أن تجني ربحاً، وربحها يزداد بزيادة الدعاية المروّجة لها، بدءاً من الادعاءات التغذوية والصحية الخاطئة، وانتهاءً بالخرافات والضلالات التي لا تستند إلى أسس علمية.
أكاذيب فاضحة وأخطاء علمية ومزاعم غذائية تتعلق بالصحة، تمارسها شركات التصنيع الغذائي هي جزء من صناعة الترويج بكل ما فيها من خداع للمستهلك.
الواقع أن الادعاء الكاذب ينهار سريعاً أمام الحقائق العلمية والأرقام مع الاستقامة، فلا جدوى وقيمة علمية بدون المعنى الأخلاقي العميق الذي لا يمكن قياسه بالأرقام.
مثلاً نوع شهير من السكاكر يحمل على غلافه إشارة كبيرة تقول: “0% مواد دهنية”، صحيح أن هذه السكاكر خالية تماماً من المواد الدهنية، ولكن الإشارة إلى هذه الحقيقة بهذا الشكل الصارخ يراد منه الإيحاء للمستهلك بأنه لن يصاب بالسمنة من جرَّاء تناوله هذه السكاكر!!
مثل آخر: نوع شهير من الشوكولاتة يعلن احتواءه على 8 فيتامينات ومعادن وكالسيوم بالخط الكبير مع أن كل ذلك متوافر في مادتي الحليب والكاكاو الموجودتين في كل أنواع الشوكولاتة، في حين أن الإشارة إلى هذه الشوكولاتة تحوي 40% من السكر تأتي في خط صغير جداً.
لنكون صادقين ونظهر حسنات السلعة دون الحاجة لخداع وتضليل المستهلك، تبدأ بمنع كل الإشارات غير المؤكدة مثل “يخفِّض نسبة الكوليسترول”، و”يقوي جهاز المناعة” و”يعطيك النشاط والحيوية طيلة اليوم”، وما شابه ذلك من مزاعم غذائية تتعلق بالصحة.
يدون في المكونات سكر ولا يوضح نوعه أو مصدره، ولكن الحقيقة هي محليات اصطناعية.
إن الاستعاضة عن السكروز بالمُحليات الصناعية، محفوف بمخاطر صحية متعددة، فقد بينت الأبحاث وجود علاقة بين تناول كميات كبيرة من المحليات الاصطناعية والأمراض، وقد ثبت من التجارب أن استخدام السكارين بكميات كبيرة تتراوح بين 5 – 7.5% أدى إلى زيادة الإصابة بسرطان المثانة، وبالتالي ألزمت الهيئة العامة للغذاء والدواء المستوردين بتدوين العبارة التحذيرية التالية على بطاقة المنتج الغذائي:
“استخدام هذا المنتج يمكن أن يكون خطراً على صحتك، هذا المنتج يحتوي على مادة السكارين الذي وجد أنه يسبب السرطان في حيوانات التجارب”.
يصعب القطع بصورة واضحة بالقيمة الغذائية لأي منتج مصنع، وهناك جدل مثار حتى في أمر الجودة، وحقيقة ما يستخدم في صناعة الأغذية، فمعلوم أن زبدة الكاكاو وهي الدهون الأساسية في الكاكاو والتي تمثل 35% من وزن قطعة الشوكولاتة، وتعطي المنتج القوام واللذة الخاصة بالشوكولاتة، ولكنها غالية الثمن، وهنا كان استبدال زيوت نباتية بالزبدة هو الحل عند أهل الصناعة، ولا تذكر ضمن المكونات!
إن فلسفة أهل الصناعة الغذائية هي أنه لا يوجد شيء يسمى غذاء غير جيد على الإطلاق، بينما الأطباء واختصاصيو التغذية يرون خلاف ذلك؛ فهناك أغذية مفيدة وأخرى يحبذ التقليل منها أو الابتعاد عنها، فالأغذية العضوية أو الطازجة جيدة بينما الأغذية المصنعة ضارة وهناك أغذية تؤكل بحدود معقولة.
ما يتم عرضه على بطاقات المنتجات الغذائية للمستهلك من ادعاءات مضللة وغير مدعمة بأدلـــة علمية كافية، ســـاهمت في خداع المســـتهلكين وعدم تمكينهم من اتخـــاذ خيارات مدروســـة وهادفة، مما أثر بصورة سلبية على ثقة المســـتهلك في اتخاذ الخيارات المتعلقة بأسلوب حياة صحي أكثر، من خلال المعلومـــات الموثوقة علـــى بطاقات المنتجـــات الغذائية، ويضمن منافسة عادلة بين منتجي الغـــذاء، وعـــدم الســـماح لهـــم بوصـــف الغذاء بخصائص تغذوية أو طبية غير مثبتة، وكذلك يعزز ويحمي الابتكار في مجال الغذاء والصحة.
وبداية وقبل أن نذكر تأثير المعلومات المضللة على المستهلك، لابد من عرض بعض المفاهيم التغذوية:
• البيانات الإيضاحية التغذوية: وصف توضيحي موجه للمستهلك للإعلام بالخصائص التغذوية الدالة على العناصر الغذائية والمعلومات التغذوية لغذاء ما، تتكون من مكونين:
– إيضاحات حول العنصر التغذوي، إعلان العناصر الغذائية.
– معلومات تغذوية إضافية/ تكميلية.
• الادعاء التغذوي: أي بيان أو تصريح أو تلميح أو عرض ينص على أو يقترح أو يدعي أن غذاء معين يحتوي على خصائص تغذوية معينة، على سبيل المثال لا الحصر قيمة الطاقة، أو محتوى الغذاء من البروتين أو الدهون أو والكربوهيدرات بالإضافة إلى محتواه من الفيتامينات والعناصر المعدنية.
• الادعاء الصحي: هو وجود علاقة بين الغذاء أو أحد مكوناته وبين وجود تأثير صحي لهذا الغذاء، ويسمح بإدراجه بعد استيفاء ضوابط الاستخدام الموضحة في اللائحة الفنية الخليجية GSO 2233/2018، مثال “الكالسيوم ضروري للمحافظة على العظام”.
فيما يتعلق بالأغذية ذات الادعاء الصحي والتغذوي فالهيئة العامة للغذاء والدواء وضعت قواعد لضبط عملية الإعلان عن خصائص الغذاء ضمن البيانات الإيضاحية التغذوية.
هذه الادعاءات التغذوية والصحية أصبح لها اليوم قيود ولم تترك لعامل الترويج الذي تمارسه شركات التصنيع الغذائي.
رغم ذلك فإنه لا يوجد ما يبرر اعتبار الادعاءات التغذوية ذات قيمة غذائية إلا إذا استندت إلى حقائق تغذوية ومقاييس أدائية والتقييم المستمر للمنتج.
استناداً للائحة الفنية السعودية SFDA FD 2333 /2018 “اشتراطات الأغذية ذات الادعاءات التغذوية والصحية” يمكن الادعاء أن الغذاء عالي الألياف أو مصدر للبروتين أو الكالسيوم أو الفيتامينات أو المعادن أو أي ادعاء آخر قد يحمل نفس المعنى للمستهلك ليصف كمية العناصر عندما يوفر المنتج شروط استخدام الادعاء، فمثلاً تدوين عبارة “عالي الألياف ” في حالة احتواء المنتج على الأقل( 6 غرام/ 100 جرام )، كما يأتي الادعاء التغذوي للمقارنة بين نوعين من الغذاء أو أكثر مماثل له، فمثلاً عبارة “يحتوي على كمية أقل من الدهون” أو “خفيف/ لايت”.
في حالة احتواء المنتج على كميات ضئيلة جداً من العناصر الغذائية اللازم كتابتها في البيانات التغذوية، يمكن التعبير عنها بـ”0 جرام” ويمكن وضع عبارة “يحتوي على كميات ضئيلة جداً من…”، مثال عندما يذكر على بطاقة المنتج عبارة “خالي من الدهون ” هذا يعني أن لا تتجاوز كمية الدهون (0.5 جم/ 100 جم أو مل)، ويستدل على ذلك من جدول الحقائق التغذوية المدرج ضمن البيانات الإيضاحية على البطاقة.
الادعاءات التغذوية على بطاقة المنتج تجذب كثيراً من الناس، ولا لوم لهم في ذلك لما للقيمة الغذائية من أهمية كبيرة في حياتهم، حيث إنها ضرورية لوقاية الجسم من الأمراض بإذن الله تعالى.
شركات التصنيع الغذائي تختار عبارات دعائية تسمح لها بترويج منتجاتها الغذائية دون النظر إلى دقتها، يتعرض من خلالها المستهلكون إلى معلومات غير صحيحة ومضللة، قد تحدث بعض الأخطار الصحية نتيجة تصديق تلك الادعاءات.
معظم إعلانات منتجات الأغذية المصنعة تحتوى على ادعاءات مشكوك فيها، أو على الأقل كاذبة تمامًا.
التضليل، الغش، الخداع.. مفردات يمكن أن يسمعها المرء ويحملها عقله وتظل تدور في رأسه وقد لا تستقر، وتظل تدور مكونة دوائر وعوالم واسعة، وأيضاً تكتب في التقارير المخبرية و محاضر الأجهزة الرقابية، هي صور غريبة على قيمنا الدينية ومبادئنا الإنسانية، وهو فعل مقصود يضر ويقود إلى ممارسات عبثية واستهتار بصحة الناس، وتندرج تحت شعار الدجل التجاري، وإليكم هذه النماذج الحية وهي من أشد الظواهر التي يشكو من نتائجها المستهلكين:
• إن الأغذية المبيعة على أنها أغذية صحية أو عضوية من الطبيعة الريفية، ويعتقد أنها خالية من المواد المؤذية بموجب شهادة صادرة من جهة خارجية، لا يكفي ذلك لكونها مصنعة، ونجهل طريقة معالجتها، وكذلك وجود تقنيات جديدة في التصنيع قد لا يكشف عنها في الشهادة المرفقة؛ أوجدت أمراضاً في غذائنا، حتى لو ثبت بالفحص المخبري خلوها من المواد المضافة والملوثات الكيميائية والجرثومية، ومع ذلك يكتب عليها ادعاءات صحية وتغذوية دون قيود، وإعطائها خصائص علاجية بمجرد أنها تباع في محلات توحي أن الأطعمة صحية.
• شركات الأغذية والحلويات قامت بإنتاج علك “اللبان” خالي من السكر والمسمى ” Sugar free gum ” وهو نوع من العلك يحتوي على بدائل السكر مثل السربيتول والأكسيليثول، وهي محليات اصطناعية تحتاج إلى تحذيرات صحية، ماذا يعني ذلك؟!
• يعتقد الكثيرون أن السكر الموجود في الأغذية المصنعة هو السكروز “سكر المائدة”، ولكن الحقيقة هي محليات اصطناعية أو شراب الذرة عالي الفركتوز، وكلاهما له مضرة بالصحة.
• الآثار الصحية الناتجة عن استعمال شراب الذرة عالي الفركتوز بسبب المعالجة الصناعية، أي تحويل بعض الجلوكوز المتواجد في نشا الذرة إلى فركتوز ليزيده حلاوة – عامل اقتصادي – نرى مصانع الحلويات والسكاكر والمربيات، والكيك والفطائر المحلاة والدونات، والآيسكريم، والحلويات الشرقية والمعمول والصلصات، والشوكولاتة والجيلي.. يستخدمون هذه النوعية من التحلية لتقليل التكلفة دون النظر إلى ضرره على الصحة لوجود نسبة عالية من الفركتوز الذي يتفاعل مع السكر الموجود في جسم الإنسان ويسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم والسمنة.
• الجيلاتين مادة خام تستخلص من مصادر حيوانية متعددة تدخل في صناعة الحلويات الهلامية والمارشملو والفطائر المعدة للأطفال، والجدل من أن يكون مصدره حيوانات محرمة شرعاً، وتدرج ضمن المكونات بعبارة “جيلاتين بقري حلال”.
• حامض الغلوتاميك من الأحماض الأمينية الأساسية، ويوجد بكثرة في خلايا النبات والحيوانات وخصوصاً في اللحوم التي لا يحدد مصدرها أو تجنب شركات التصنيع ذكرها ويكتفى بالرمز الدولي E621.
• نرى على بطاقة بعض الأغذية المصنعة عبارة “هذا المنتج يساعد الجسم على تحمل الضغوط ويزيد من مناعة الجسم في مقاومة العدوى”.
• يصنّع الحليب ومنتجاته من الحليب المجفف المستورد، على العبوة عبارة “مصنوع من الحليب الطازج من أبقار المزرعة”، ماذا يعني ذلك؟!
وأخيراً، نقف مذهولين أمام عبارات تحولت لدينا إلى حقائق بأن هذا الغذاء أو ذاك يحتوي على مجموعة عناصر غذائية تمنح الشخص الحيوية، وتبعد عنه شبح الشيخوخة، وتزيد من طاقته الجسدية والذهنية، إضافة إلى الوقاية من مختلف الأمراض بما في ذلك الأورام.. مثل هذه الادعاءات تندرج تحت المعلومات المضللة، فعلينا الحذر وتوخي الدقة، وغايتنا من ذلك الانتباه إلى أن كلمة “طبيعي” أو “عضوي” لا تعني بالضرورة “صحي”.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.