بعدما ما شاء اللهُ من الموت، اليوم القيامة وكان أسوأ شيء عندي افتضاح ما كان خافياً، وأن يعرف أصدقائي وأهلي الذين أخفيت عنهم حينما كنت حياً أسراري، وكان الخوف من أن يطلع الناس عليها ومن الفضيحة أكبر من العقاب ذاته. رأيتهم يسخرون ويضحكون، هذا الذي كان يلبس قناعاً مزيفاً على وجهه الآن انكشف واكتشفنا حقيقته!!
حاولت الاعتراض والمكابرة كالمجنون على نتيجة الحساب ولم ينفع لأن شريطَ الأحداث بالصوت والصورة أخذ في العودة من المَمات حتى سنوات البلوغ والتكليف، يعود للوراء محطةً بعد محطة. قلت: إذاً زنوا أعمالي الجيدة، عندي الكثير منها؛ فإذا بها كلها لا تزن شكرَ ساعةٍ واحدة من ساعاتِ الراحة والهناء في الدنيا.
الآنَ بانت الورطة، نظرت يميناً يساراً لعل أحد الأصدقاء يعرفني ويذكر أيام الدنيا الحلوة ويجرني إليه! فإذا أكثرهم منشغلين بأنفسهم عني، بعضهم فرحان وآخرون في مثل الهُوَّةُ الغامضةُ العميقةُ التي أنا فيها، تباً ما الحيلة إذاً؟
ثم لمعت في ذاكرتي مقولة من دارِ الدنيا: “أفضل الدفاع الهجوم”، بدت في المحشر سخيفة لكنها لن تضر بأي حال. قلت: أنا عندي حجة قوية ولن تَأخذوني للنار بعد أن تسمعوها. صدقاً؟ هات ما عندك قالوا.
قلت: أنا مرة يوم كنت حياً سمعتُ مقطعاً من دعاءٍ كان من يقرأه يستعطف ويحَاجج الله. قالوا: إذاً اقرأه لنا وأنتَ هنا. أخذت أتذكر ثم قرأت:
“يا عَظيمَ الْمَنِّ، يا قَديمَ الإحسانِ، أيْنَ سَتْرُكَ الْجَميلُ، أيْنَ عَفْوُكَ الْجَليلُ، أيْنَ فَرَجُكَ الْقَريبُ، أيْنَ غِياثُكَ السَّريعُ، أيْنَ رَحْمَتِكَ الْواسِعَةِ، أيْنَ عَطاياكَ الْفاضِلَةُ، أيْنَ مَواهِبُكَ الْهَنيئَةُ، أيْنَ صَنائِعُكَ السَّنِيَّةُ، أيْنَ فَضْلُكَ الْعَظيمُ، أيْنَ مَنُّكَ الْجَسيمُ، أيْنَ اِحْسانُكَ الْقَديمُ، أيْنَ كَرَمُكَ يا كَريمُ، بِهِ فَاسْتَنْقِذْني، وَبِرَحْمَتِكَ فَخَلِّصْني”.
جاءَ الجواب: حَاججتنا فخَصمناك وغَلبناك، عاتبتنا فأجبناكَ وأعطيناك. يكفينا هذا الرجاء أيها الضعيف. إن اللهَ يغفر ذنوبَ التائهين التائبين الذين عاشوا وغرقوا في أوحالِ الخطايا، ولا يحق لهم أن يستسلموا ويظنوا أنهم عبروا كلَّ الحدود وأن الوقتَ قد فات {قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}.