إصرارنا على عملِ شيءٍ مختلفٍ وغير مألوف في المجتمعِ الذي نعيشُ فيه ونتفاعلُ معه في مواقفهِ وأحداثهِ ومشكلاتهِ وشخوصهِ بصورةٍ يوميةٍ هو إصرارٌ سمته التغيير والتطوير والإحلال بهدفِ إحداثِ نقلةٍ نوعيةٍ جديدةٍ في حياةِ الناس، هذا إن كان مبنيًا على قواعدَ وأسسٍ مدروسةٍ بعناية. وهو صفةٌ مطلوبةٌ ومرغوبة، ومحركةٌ لعجلةٍ لم تكن مربعةً في بدايةِ ظهورها، بل كانت بشكلٍ دائري؛ كي تكون َفي عملها أفضل، وفِي أدائها أسرع، وفِي مهمتها أكمل وأجود.
الإبداعُ بأفكارٍ جديدةٍ وأصيلةٍ يتطلبُ عزيمةً وتصميمًا وتعلمًا وتدريبًا وفكرًا، يخرجُ من جدرانِ الصناديقِ المغلقةِ التي يسببُ البقاءُ بداخلها تقوقعَ عقولنا، فتمنعها من التحررِ والانطلاقِ إلى عالمٍ مليءٍ بكلِّ ما هو خلّاقٌ ومميزٌ وعصري.
إننا إن أردنا للفكرةِ أن تخرجَ من رحمِ الإبداع، فلا بد لنا من القراءةِ المستمرةِ الواعية، والتي نفهمُ من خلالها الأشياءَ في أدقِّ تفاصيلها؛ لأن التفاصيلَ الدقيقةَ حتمًا ستبرزُ لنا أمورًا لم ينظرْ إليها أحدٌ من قبل، ومن خلالِ هذا البصيصِ من الضوءِ سَتُفتحُ لنا نافذةٌ يدخلُ منها حدثٌ جديدٌ ربما يصبحُ فيما بعد حديثًا ملهمًا على صفحاتِ التاريخ، وعملًا عملاقًا فيهِ نفعٌ للبشرية.
وعندما نتحدثُ عن الإبداعِ فمن المؤكدِ أن تظهرَ لنا أوراقٌ لها عناوين بارزةٌ في عالمِ الإبداع، فترتسم على تلك الصفحاتِ مفرداتٌ ذات أهمية كبيرة كامتلاكِ المهارة، وكثرةِ التجاربِ، والزياراتِ الميدانية، وغيرها من المفرداتِ التي تجعلنا نرى الأمورَ من منظورٍ آخر يختلفُ تمامَ الاختلافِ عن رؤيةِ الآخرين، فقد أصبحت أعمقَ وأنضج، وفيها من التفاصيلِ ما هو أرقى في عالمٍ لا يرضى إلا بإعمالِ الفكرِ واستنارةِ العقل، عالم عنوانه العريض الإبداعُ في كافةِ صوره ومجالاته.
رجالاتُ الإبداعِ الذين تم تصنيفهم في هذا المكانِ الذي تزخرُ به سيرهم كانوا يمتلكون سماتٍ تؤهلهم للخوضِ في ميادينِ الابتكاراتِ والاختراعاتِ والأفكارِ التي تميزت بالأصالة، ليس هذا فحسب، بل كانوا من أكثر الناسِ حرصًا على تطويرِ ذواتهم وصقلِ مهاراتهم، وكانت الكتبُ توأمهم؛ لذا أبدعوا ونحتوا أسماءَهم كأمثلةٍ ونماذج يحتذى بها بين الشعوبِ في جميع أنحاءِ كوكبنا الدائري (الأرض) أو كما يُطلقُ عليه العالم واليابس.
الفكرةُ الإبداعيةُ ميزتها: الجِدَة والبساطة والخفة والحاجة وكثرة الاستعمالات وسهولة الانتشار والذيوع، فإذا أردنا أن نأتيَ بالفكرةِ ونعملَ عليها فلتكنْ تلك الميزات نصبَ أعيننا وعقولنا معًا؛ حتى يكونَ الإبداعُ عنوانها، فتتهافت القنواتُ بكل أنواعها وأشكالها؛ لتكون جسرًا بيننا وبين النجاح الذي كنّا نراه في الجانبِ الآخر، وأصبحنا الآن فيه كمشاركين حقيقيين في صنعِ المستقبل الذي يتقدمُ ويتبدلُ يومًا بعد يوم، ويتجددُ بتسارعٍ عجيبٍ ومذهل.
اليابانيون عندما بدأوا بإنتاجِ البطيخ قبل أربعين عامًا وذلك بتحويله من شكله الهندسي الدائري المألوف إلى أشكال هندسية أخرى غير مألوفة كالمكعب والمربع والهرمي والقلب، جعلوا سعر البطيخة الواحدة يرتفع من دولارات إلى مئات الدولارات وربما أكثر، كل ذلك كان بفضلِ فكرة إبداعية جاء بها مزارع مبدع، أتى بعدها فهمٌ وعملٌ وتعاونٌ إلى أن تجسدت الفكرةٌ واقعًا يراه كل العالم بعين الدهشة والإعجاب.
لنا في الختام همسة:
“الفكرة التي لا تقترن بالعمل لن يتجاوز حجمها حجم الخلية الدماغية التي ابتكرتها”.
أرنولد غلاسكو