تنبؤات درامية أم سينما متواطئة.. 53 – الختام

لم يزل يدور السؤال الملتبس بين حين وآخر، هل صعد الإنسان للقمر ومشى على سطحه، أم الحكاية مجرد دراما سحرت العيون.

إجابة متشظية بين درجات الاقتناع وعتبات الرفض، فالمهتمون بالأمر مختلفون وكذا العابرون متباينون، منهم من أمعن النظر بفائض من الكلام، ومنهم من أخذ سعة في الجدال تلو الجدال، وكل يدعي صوابية آرائه المحقة من وجهة نظره، نزاع محتدم يخبو ويثار، والفهم حائر، ومرايا العقول متأرجحة على مسرح الفرجة.

إن صدقت رحلة القمر وصفت بأنك مع العلم وإن لم تصدق اتهمت جزافاً بعدم الفهم، وخشية من ذلك يرضخ كثير من المشككين بسبب عدوى الإقناع المتفشية كالفطر بالتسليم للنأي بالنفس عن أي جلد لفظي أو توبيخ صارم.

مزاجية التوصيف تفتح على عواهنها ونمطية الردود جاهزة للرمي، لكن أليس من حق العقل أن يشك ليستعلم ويستوضح، فالإنسان من طبعه تصارعه الشكوك في كثير من قضايا الكون والحياة حتى أبعد من مسألة الصعود للقمر.

الشك هو طريق البحث عن الحقيقة، لكن أية حقيقة.

ما أقبح الحقائق المتلوثة بألاعيب السياسة وصراع النفوذ.

جدل الصعود للقمر من عدمه لم يهدأ لغاية اليوم، انقسام حاد بين مدافعين يؤكدون أن الهبوط تحقق وبالبراهين والأدلة، ومهاجمون بالضد يملكون حججاً وأسانيد، ويقولون بأن المسألة كلها زيف وخداع، وبأن الهبوط تم في صحراء نيفادا والمشي على القمر كان خدعة سينمائية هوليوودية بامتياز، وكل عمليات الهبوط على القمر كانت كلها مفبركة.

ومع هذا الدحض والعكس، يتجدد السؤال، هل تم الصعود للقمر فعلاً عبر رحلات فضائية مأهولة بالبشر، أم الأمر لا يتعدى كونه دراما متقنة.

يوجد مشهد موثق لرجل يلاحق “آرمسترونغ” وفي يديه الإنجيل قال له: اقسم بهذا الكتاب المقدس بأنك ذهبت للقمر، كان الرد هو الصمت الذي هو أبلغ من كل كلام!

الحيرة تتعاظم كلما رأينا دراسات وكتباً علمية متخصصة وصحفاً وإعلاماً وآراء وأقوالاً شتى كلها تؤكد أن رحلة الصعود للقمر تمت فعلا ولا شيء يدعو للزيف، وبالمقابل نقرأ ونشاهد مقابلات لشخصيات علمية مرموقة سواء علماء روس أو أمريكان، تشكيكهم الموثق بالأدلة والبراهين بأن رحلة ابولو -11 كانت أكبر كذبة علمية انطلت على البشر، ومسألة الهبوط على سطح القمر مجرد فيلم سينمائي تم تصويره باحتراف ماكر!

جدل الصعود من عدمه لم يزل محتدماً برغم مرور 5 عقود على صنع ذلك الحدث الأسطوري، وينبري سؤال بسؤال، أبعد هذه السنين من التقدم العلمي وأبحاث استكشاف الفضاء والتطور التكنولوجي الهائل، لماذا لا تعاد تجربة الصعود للقمر مجدداً، هل تم الاكتفاء بغرس العلم الأمريكي فوق القمر والتنطط على سطحه كشخصيات كرتونية وأخذ حجارة وحفنة تراب والعودة إلى الأرض برحلة ناجحة تمت جميعها بسلام وأمان وسط ذهول العالم وبهتان الخصوم، هل بتراجع الحرب الباردة ظل الأمريكان السفر نحو القمر؟ ولماذا اتجهت أمريكا لاستكشاف القمر في وقت عصيب كان متفجراً جراء غضب شعبي في الداخل كان يموج كالطوفان اجتاح كل ولاياتها، مظاهرات صاخبة وضاجة بأصوات الملايين وهي تهتف ضد الزمرة السياسية الحاكمة من أجل إسقاطها ومحاسبة المسؤولين والمتورطين في إدارة الحرب اللاإنسانية الدائرة جنوب شرق آسيا، والمطالبة فوراً بوقف إرسال الشبان لمحرقة الموت.

عند نهاية عقد الستينات عاشت أمريكا قبل غزو القمر إحباطاً داخلياً لم تشهده البلاد طوال القرن العشرين يقابله تخبط عسكري خارجي وتوهان وهزائم على أرض فيتنام.

أفي العقلية الأمريكية دائماً عقدة التفوق على الآخرين بأنها سيدة القوة في العالم دون منازع، فتلجأ بكل السبل ووسائل التمويه والخداع لإبراز هيمنتها؟ وبصرف النظر حول مسألة الصعود إن كان حقيقياً أم مفبركاً، هل يحتاج القوي دائماً أن يلمع نفسه؟ في بلاد العم سام يحدث كل شيء، إنها أمريكا المسكونة بجنون العظمة وهذيان الغطرسة!

هل سنشهد في القادم من الأيام معجزة فضائية جديدة، رحلة أمريكية لكوكب آخر بإنتاج دراما تصويرية أبعد من تلك الرحلة؟

رحلة إلى سطح المريخ والمشي على سطحه، بعد أن تجاوز مخرجو هوليوود دراما النزول فوق سطح القمر وبعد أن نجحت العقول المدبرة في إرهاب الاتحاد السوفيتي باستنزاف قدراته وطاقاته في السباق نحو الفضاء فتضرر اقتصادياً بشكل مروع وفي النهاية أطاحوا به سقوطاً وقبروه في لحده، هذه المرة دراما أقوى وأبعد من سابقتها، لا من أجل العلم واكتشاف عوالم الكون ومحاولة فك أسراره وطلاسمه، إنما طمعاً في التفوق على المارد الصيني العدو اللدود والند المشاكس، وبعد أن نجا من فيروس كـورونا المدبر له والمغروس في عقر داره، فقد أعدت له كمائن للإيقاع باقتصاده، تربص مستنفر للاقتصاص منه وتقويض تحركاته.

في عالم السياسة يحلو إرهاب الخصوم بخلق الأوهام والمكر والخداع باستخدام كل الوسائل المتوفرة وكل القدرات غير المتاحة، بجعل من اللاممكن مممكناً طالما كل شيء يجير، الدين، المال، العلم، الفن، الأدب، الرياضة، السينما، في دهاليز السياسة تسقط الأخلاق والمبادئ وكل القيم، إذاً ما المانع من استخدام أي شيء خدمة للمصالح، وإشباعاً لغريزة الأطماع التي لا تشبع، توسع واستحواذ لا متناهي للتغلب على الآخر، فلا عجب أن نرى سيلاً من الدماء لحروب العبث، وجملة الحصارات الاقتصادية المجحفة ضد دول وأمم، بإشاعة الأمراض وإطلاق حرب الفيروسات، وتواطؤ شركات الدواء، إنها أمة مجنونة تمارس الطغيان في كل شيء من أجل أنانيتها ونرجسيتها الطاغية، تدعي الحرية وهي تخنق حرية الأبرياء وتقودهم نحو الهلاك والفناء.

لقد انشغلت السينما الأمريكية ولم تزل بترويج ذلك العبث وهيستريا الجنون، وينشغل العالم معها بانتخابات رؤساء أمريكا، ترقب وتحسب من سيفوز هذا المرشح أم ذاك.

هل هو انشغال طبيعي أم انشغال ضائع طالما الجميع يعلم أن الذي يحكم أمريكا ليس فرداً “جمهورياً كان أم ديمقراطياً”، إنما نظام مترسخ في الهيمنة على مقدرات الدول والشعوب.

ولماذا كل هذا الانشغال الزائد عن حده بحبس الأنفاس؟ في انتظار من هو سيد البيت الأبيض القادم؟ المراقبون يقولون سواء فاز رئيس يمثل حمائم السلام أم أحد الصقور، “كلهم في الهوى غرب”، ولماذا الانشغال برجل الفضاء “آرمسترونج”؟ هل حطت رجلاه على سطح القمر أم في استديوهات هوليوود أو وسط تلال صحراء الهنود الحمر، فاللعبة السياسية مررت بامتياز وبكثير من المكر والدهاء.

إن صناع الأفلام الأمريكية قبلاً وبعداً، سارو خلف إملاءات أعدت لهم سلفاً، فقد أنجزوا ما كلفوا به، وقاموا بتواطؤات سينمائية ماكرة طوال الوقت لتصويب الاهداف المعلنة والمستترة، وما “ديماغوجية” كولن بول في مجلس الأمن، بعرض فيلم مفبرك لأسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة قبل غزوه غائبة عن الأذهان!

وفي الختام، نقل لي ولدي محمد رؤية الدكتور ‘مارك ثمبسون – Mark Thompson أستاذه لمادتي “العولمة” و”العلاقات الدولية” في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، صاحب كتاب “عندما تكون رجلاً، شاباً، سعودياً”، (Being, Young, Male and Saudi)، فقد نصح طلابه بالآتي: “إذا سافرتم للغرب، إياكم أن تخوضوا في نقاط ثلاث، لا تتحدثوا عن إسرائيل، ولا عن حادثة “الهولوكست”، ولا تناقشوا مسألة الصعود للقمر، أتمنى منكم يا طلابي أن تأخذوا كلامي بعين الاعتبار”.

أستاذ أكاديمي قدم خبرته بمحبة لتلاميذه، فهو مدرك بأن الخوض في مثل هذه المسائل سيعرضهم لإشكالات هم في غنى عنها، وسوف توجه لهم تهم بأنهم ضد السامية أو التجنى على شعب الله المختار، وأيضاً سيتهمون بأنهم ضد العلم وبتكذيب جهود العلماء.

يا ترى لو سألوا أستاذهم حالياً عن المسبب لهذا الوباء المستشري في جميع أنحاء العالم، قد يجيبهم: “لا تتحدثوا عمن أطلقه، لا تسألوا عن أشياء تبدي لكم ظنوناً وإن كنتم ترونها صدقاً وعين اليقين”.

إيه يا هوليوود ماذا فعلتِ بذلك النجم حينما أفشى بسرك في لقائه مع المذيع الشهير (لاري كينج) عام 1996، الذي بدت عليه علامات الدهشة من تلك الكلمات التي أفضى بها الممثل القدير مارلون براندو: “BRANDO CRITICIZED FOR SAYING JEWS OWN HOLLYOOD”، انتقد براندو في مقابلته بتوجيه اتهام لاذع بقوله: “اليهود يسيطرون على هوليوود ويستخدمونها لترويج جدول أعمالهم”، اعتراف ممثل قدير ومرموق ويعد ترتيبه الرابع من ضمن أفضل 100 ممثل، وجه نقده القاسي هو من أهل الدار، عارفاً بالخبايا والأسرار، نقد أثار عاصفة هائجة وضجيجاً هائلاً في وسائل الإعلام، وعلى أثرها تعرض هذا الممثل الذي يعد أيقونة عالم السينما، لانتقادات حادة في أمريكا وخارجها، ولم يأبه بذلك الصخب وواصل هجومه العنيف والمتواصل على السيطرة اليهودية على صناعة السينما الأمريكية، فقرر اليهود تحطيمه، فعاش هذا الممثل سنوات بعيداً عن الاضواء، بسبب ذلك التصريح المثير للجدل.

عاش أياماً عصيبة، في منزله مستقلاً بذاته غير آبه بأحد، موقفه هذا يتشابه ضمنياً مع دوره في فيلم “القيامة الآن”، بشخصية الرائد كورز الذي انشق عن الجيش عاصياً الأوامر وضارباً بها عرض الحائط، متخذاً من الغابة مملكته الخاصة، فأرادوا القضاء عليه، قتل في نهاية الفيلم في مشهد فانتازي غرائبي، وضمر له الواقع تهميشاً مماثلاً وحرباً إقصائية من قبل اللوبي اليهودي، وبعد أن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت عاد واعتذر عن تلك التصريحات!

بعد رؤية هذه المقابلة استذكرت معنى ودلالة كلام ذلك الأستاذ الجامعي العارف بذهنية المجتمع الغربي.

أي تقريع انتابك أيتها السينما وأي اتهامات نالتك يا هوليوود الساحرة والمسحورة، والخاطفة والمخطوفة، فالكل أخذك إلى حضنه ومرر أجنداته المسعورة.

يا أيها الانشغال المتباطئ والمتسارع حول فحوى حلقات “دراما تنبؤية وسينما متواطئة” الذاهبة بين عروج التحري ومكامن التقصي لغواية أفلام تنبؤية خطفت الحواس بالتبشير المفزع، أي جدوى حملتها تلك الأفلام وأي معنى قدمتها تلك الكتب التي وضعت عينها عما سيحدث غداً وبعد الغد، وما قيمة أقوال المفكرين والكتاب مستشرفي المستقبل طالما الكل مستلب يخشى من مخالب النسر الذي يعيش دوماً على ملاحقة الطرائد.

شخصيات تنبأت وأخرى تواطأت في صنع أحداث جسام.

هل أصاب صاحب السطور القبض على الأجوبة التائهة وسط ضجيج الأدلة والبراهين الملتبسة، هي مجرد استنتاجات جاهدت أن تقول كلمتها وتمضي إلى حيث بدأت، لتعيد تصوير المشهد تلو المشهد لعلها تستكشف بما ليس مستكشف، وتعيد المحذوف من بين ركام أسطر وصفحات تم نفيها قسراً طوال 53 حلقة؟

سيظل الحكم معلقاً وسط انجلاء ما وراء المعنى.

وأخيراً عزيز القارئ:
“انظر بعقلك إن العين كاذبة، واسمع بقلبك إن السمع خوان”.


error: المحتوي محمي