عندما يبدأ شهر ربيع الأول من كل عام هجري، تبدأ معه الأفراح والمسرات، وغالب أهالي المنطقة تقريبًا تشرفهم هذه المناسبات الجميلة، بين خاطب أو مخطوبة أو دعوة زواج من قريب أو صديق، لهذا يعتبر بداية شهر ربيع الأول، شهر بهجة وسرور وأفراح، كما أنه كذلك يعتبر بداية لاستعدادات نفسية ومالية بسبب حلول هذه المناسبات المباركة، حيث إن بداية شهر ربيع الأول يعني جملة من المناسبات السعيدة المختلفة.
وبما أن مناسبة الزواج سواء بداية عقد قران أو بداية الدخول إلى القفص الذهبي كما يعبر عنه البعض، فهي مناسبة تملأ قلوب الجميع بالسعادة، فهي رابط ديني وهي كذلك رابط اجتماعي أو تعميق علاقة اجتماعية.
الزواج كمفهوم ومعنى ديني لم يختلف في جوهره الكثير عما كان في الأزمان السابقة، غير بعض الإضافات الحياتية الذي فرضت نفسها على الواقع الجديد، من سكن وتعليم وعمل والمشاركة في القرارات الزوجية باعتبار أن الزواج كمفهوم هو رابط مقدس يجمع بين اثنين من ذكر وأنثى، فمن ثم هي عبارة عن تكوين مؤسسة اجتماعية، وبطبيعة الحال سوف تمر هذه المؤسسة بمراحل التأسيس حالها حال أي مشروع يبدأ من تحت الإنشاء، فيحتاج إلى مشاورة ودراسة وهذا ما يقتضي التغير الزمني والمكاني والثقافي.
أما الزواج كمفهوم اجتماعي وثقافي، فهو قابل للتغيير بين فترة وأخرى، حتى في طريقة فهم العادات والأعراف والتقاليد تختلف من زمن إلى آخر أو من جيل إلى جيل في إضافة شيء جديد أو حذف شيء آخر، ويعتمد ذلك على سرعة رتم التغيير ثقافيًا واجتماعيًا.
والتغيير الثقافي والاجتماعي له تأثير على بلورة المجتمع، فالطريقة الذي تم الزواج بها في الأجيال السابقة اختلفت تمامًا عما هي عليه الآن، في الأزمان السابقة وقد أطلق عليها المباركة، ما كانت الحياة معقدة نوعًا ما قياسًا على ما هو في الوقت الحاضر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، معايير اختيار الزوجة أو القبول بالزوج ما كانت تخضع لشروط أو مواصفات تصل في بعض الأحيان إلى التعجيزية أو المستنزفة، وكذلك في حالة حدوث الخلافات الزوجية والعائلية والأسرية، أقصى ما كانت تصل إليه تدخل كبير العائلة وفي نفس اللحظة أو الساعة تفض تلك النزاعات وينتهي كل شيء وكأنه لم يحدث شيء وترجع المياه لمجاريها.
أما في الوقت الحاضر فقد أصيب هذا المشروع الجميل بمعوقات كثيرة ومعقدة، من قبل بعض الشباب، أو في بعض الأحيان من قبل بعض الشابات، المقبلين على الزواج، حيث تحول شعور بعض هؤلاء المقبلين نحو هذا المشروع والرابط المقدس، وكأنهم أمام تجربة حياتية عادية ليس لها أي اعتبار أو قيمة معنوية أو اجتماعية، وكأنهم في معمل أبحاث للتجارب على الفئران، إلى درجة أنه أصبح مشروع الزواج عند البعض كأنه ضربة حظ إما صائبة أو خائبة، دون أي اعتبار لأهمية وخطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة الاجتماعية، التي قد يؤدي هذا الاستخفاف لا سمح الله إلى فشل هذه العلاقة من أي طرف منهما، ومن ثم تمزق روابط اجتماعية ولربما تتحول إلى عداوات عائلية أو اجتماعية فضلًا عن الأضرار النفسية والمادية لكل منهما.
حيث تكشف إلينا التقارير الاجتماعية أن حالة الطلاق أصبحت ظاهرة وظاهرة اجتماعية خطيرة مع الأسف الشديد، بعد أن كان مجتمعنا شبه خالٍ من هذه الأزمة الاجتماعية، وذلك بسبب وجود العقلاء من كلا الطرفين وتفهمهم خطورة هذه المسألة على الأسرة والمجتمع، وكذلك لوجود الحس العالي بالمسؤولية بين الزوجين، وإصرارهما على البحث عن الحلول المناسبة التي تضمن استمرارية ترابطهما مهما كانت الأسباب، بعكس ما نراه ونسمعه في هذا الوقت الحاضر، الجري حول البحث عن حلول معقدة لأجل تعميق الخلافات والنزاعات، بل البحث عن إيجاد طرق لفك هذا الرابط المقدس وتسجيل النقاط كل على الآخر لكي يثبت أنه على حق والآخر على باطل، برغم أنهما من المفترض أن يمثلا أعلى وأسمى معنى ومفهوم للشراكة الإنسانية والحياتية، ولكن ما هو حاصل هو عكس هذا المفهوم تمامًا، بسبب تفشي حالة النرجسية المفرطة عند الجميع والبعد كل البعد عن الحلول العقلية.
لذا أقدم اقتراحًا ولعله قد قدمه غيري من أهل الاختصاص من الاجتماعيين والمهتمين بحل النزاعات الاجتماعية والأسرية، ومن هنا أحرص على المطالبة بتحقيقه وتطبيقه قبل إجراء العقد الشرعي، ولربما يساعد في محاولة للمشاركة في القضاء أو التقليل من هذه الآفة الاجتماعية، وهو لزوم إخضاع كلا الطرفين المقبلين على الزواج بدخول دورة كاملة عن مفهوم بناء العلاقات الزوجية، حيث يتضح لكل طرف بعد هذه الدورة كيفية فهم هذه العلاقة الإنسانية الشرعية وكيفية إدارتها وإدارة الخلافات المستقبلية ومعالجتها بالطرق العقلية والدينية والاجتماعية.
وكل أملنا في هذا الجيل المثقف والواعي أن يكون على قدر المسؤولية ويتفهم خطورتها، ومحاولة القضاء على سد هذه الثغرة الاجتماعية المؤلمة وهي الطلاق، الذي أصبح ظاهرة وأزمة اجتماعية، وإلا فلا معنى أن يكون ظاهر مجتمعنا جل اهتمامه بالجوانب الثقافية المتنوعة والرائعة، ونتغافل عن أهم جانب ورابط اجتماعي، ولا ينبغي كذلك التغافل عن البحث عن إيجاد الحلول المناسبة لحماية مجتمعنا من هذه التمزقات الإنسانية والاجتماعية ولا عن سهولة فك هذه الروابط الاجتماعية، بسبب عدم قدرة أحد الطرفين للوصول إلى الحلول المناسبة التي تحمي هذا الرابط الديني والاجتماعي والثقافي، وهو ما يعتبر أهم جانب اجتماعي، وينبغي علينا جميعًا الوقوف عند هذه الأزمة حتى التخلص والانتهاء من هذه الظاهرة والآفة الاجتماعية للأبد.