زريب القلعة

قلعة القطيف أثرية تقع على أرض (تلة) مرتفعة في قلب القطيف شرق المملكة العربية السعودية، ويرجع تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي والتي بناها الساسانيون، واتخذها العثمانيون كقاعدة عسكرية بعد ترميمها في القرن السابع عشر الميلادي.

وهي مقسمة حسب الأحياء أو الفرق إلى أربعة أحياء؛ الزريب والخان والسدرة والوارش، ولم تكن التقسيمات حسب التوزيع الاقتصادي للناس بل كانت خليطًا متجانسًا من الأسر والعوائل.

وحيث إن الطبيعة الحياتية كانت فيها مجموعة من الحظائر للأغنام كون بعض الأسر ترعاها وتعيش على ما ينتج منها، ومن هنا تعجل البعض في إصدار تقرير عن الزريب وأطلق عليه أنه منتزع من زرائب “إسطبلات الخيول” وتعيش فيه الأسر الفقيرة وهو بعيد عن الصواب، ولأن الزريب لها عدة تعريفات ومعان، منها زرب الماء أي تحرك، ومنها زرابي أي الفرش الذي يُتكأ عليه في المجالس ويشار إلى أن أحد المعاني بأن الزريب مكان تربية المواشي والأغنام وغيرها.

وسكان الزريب هم جزء من منظومة أهل القلعة وفيهم أهل العلم والخير والكرم (الأجاويد) وهو طبيعة أفرقة القلعة الأربعة، وتعود أهمية الفريق لوجود العوائل التي عرفت بالعلم والتقوى والفضل والكرم كما أنهم متميزون بالنخوة.

وبالتالي فهذا الفريق متنوع الطبقات كالتاجر والطواش والغني والفقير والحرفي كالسماك والحداد والتناك والغراش…. فهم يعيشون في بيوت متلاصقة متقاربة لا يفصل بينهم سوى جدار الستر والرحمة، فلم يذكر التاريخ ولا كبار السن أن هناك تجاوزات أخلاقية بل كانت السمة السائدة هي التضامن والتكافل والتعاون وهو سيد العلاقات البينية.

ولا تخلو بعض البيوتات من تربية بعض الحيوانات والطيور وهذا أمر متعارف عليه عند أهل القلعة بجميع أحيائه، كما أن هذا نوع من التجارة التي يعتمد عليها الأهالي في استقامة حياتهم، ومن المشهور استعمال الحمير كوسيلة للتنقل بين الأحياء ولم تكن الخيول من الوسائل المشهورة أو المتعارف عليها؛ كون الخيول من وسائل الحروب وأهالي القلعة أهل سلم، ولم يكن يعرف عنهم تجارة الخيول والجمال، ولعل استخدام العثمانيين القلعة وقد يحتمل بقاء بعض الأسر المعدودة وقد يكون من الأسر التركية أو عمالهم يستخدمون الخيول “مازال ذلك احتمالاً”.

والملاحظ والمتتبع سيجد أن بعض الأسر موزعة على أفرقة القلعة، وهذا النسيج الذي امتاز بالولاء لأهل البيت منذ عصر الإسلام الأول.

أما البيوت فكانت تبنى من المواد المحلية كالطين والحجر البحري (الفروش) لقربها من ساحل الخليج وسهولة نقلها لداخل القلعة، إضافة لبعض المواد كجذوع النخل المحلي، أما الخوص (الحصير – القصب) والذي يجلب من جنوب العراق والأهواز ويطلق عليه الباري، كما أن هناك مواد مستوردة من شرق إفريقيا -تنزانيا- الكندلاء (الجندل) أو شرق آسيا كالهند والصين مثل الأصباغ والأقمشة والتوابل وخشب الساج والباسجيل (البامبو).

لذا تنوعت طرق البناء والزخارف المستخدمة تبعاً للوضع الاقتصادي والمادي لرب الأسرة إضافة للمكانة الاجتماعية.

هكذا هي قصة من عبق التاريخ تمازجت فيها الحضارات لتنتج حلة فنية جمالية متجانسة ومميزة هي قلعة القطيف التي لم يتبق منها إلا بعض البيوتات التي نتمنى أن يحافظ عليها لحفظ تاريخ عريق ممتد إلى قرون.




error: المحتوي محمي