تركَ عددٌ من أصدقائي من مهندسي نفط وغيرهم الوظيفة، مع شركة أرامكو السعودية، في الشهرين السابقين، بعضهم لم يبلغ الستين سنة بعد. وأنا أقول لهم: قلبتم صفحةً من حياتكم كانت مليئةً بالعملِ الجاد والإبداع والصداقات، وكان العمل الرسمي من الصباح حتى نهاياتِ النهار يأخذ وقتكم، فماذا بعد؟
أول حقيقة يدركها من يترك العمل بعد عشراتِ السنين أن أطولَ مرحلة من مراحل الحياة انتهت وانطوت، وما بعدها سوف يمر أسرعَ منها. سوف تمر السنة كالأسبوع والعشر مثل الشهر والعمر مثل ظلِّ الطائر.
من الآن – فقط – تذكروا أنكم وصلتم بسلام، انسوا مطبات الطريق وإزعاج السائق. فحتى ذلك الرئيس المقلق والرفيق المكروه كان لكم معهم ساعات وأيام جميلة تستحق أن تأخذَ مكانها في مقدمةِ عربة الذاكرة. وأفضل وصية هي أن تحببوا لزوجاتكم فأغلبكم سوف يكون بين لطفِ الله ولطفهن وحب الله وحبهن “المرأة”.
حياتكم الجميلة بدأت الآن، وقد خرجتم من الأصُص والجرار الجميلة التي كنتم محبوسين فيها، لاشك أن أمامكم فرصة تنمو وتمتد فيها قدراتكم وطاقاتكم في شتى الميادين والجبهات. بعد سنوات من الانشغال والإهمال نحتاج إلى ترميم كل شيء، أجسادنا وأرواحنا وليس انتهاءً بعلاقاتنا الإنسانية التي لم نستثمر فيها ما يكفي لأن الوقت لم يسمح.
اعتنوا بصحتكم ولا تنسوا زيارةَ الطبيب بانتظام والحركة الدءُوب والتريض اليومي والراحة المعقولة. كتابٌ واحد أجزم أنكم قرأتموه عدة مرات، لكنه يستحق القراءة مرات أخرى وهو القرآن؛ شفاء نافع، يملأ أرواحكم طمأنينة مع إشراقةِ كل فجر. وبعده اقرأوا ما شئتم، فكما كل عطرٍ له رائحة، كل كتاب له فائدة.
ابحثوا لكم عن أصدقاءَ جُدد فكثير من طاقمِ أصدقاء العمل إما تنسونه أنتم أو ينساكم؛ لا تجزعوا فهذه سُنّة الأيام إذ أن كل من لا تراه عيوننا تنساه قلوبنا. حياتكم إما أجمل بعد سن الستين إن نظرتم لها من عيون السعادة، أو أتعس إذا نظرتم لها من عيون الكآبة، وكلا الخيارين بأيديكم، وفي كلتا الحالتين قافلة أيامكم تسير!
تمتعوا بحياتكم المديدة فأنتم لستم مثل آبائكم الذين تعبوا وشاخوا وهم في الخمسين من أعمارهم. أما الآن فمن هو في الخامسة والستين يصنف في سن الشباب، ولا يصبح في تصنيف كبار السن إلا بعد الثمانين من العمر، طوبى لكم. وكما يقول الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي:
سنّي بروحي لا بعـدّ سنينِ
فليسخرنَ غداً من التسعينِ
عمري إلى السبعين يركضُ مسرعاً
والروحُ باقيةٌ على العشرينِ