البدراني: الصورة قادتني إلى التصوير وركوب الخيل في الصبا أغرقني في حبها

لم يدر في خلده يومًا أن يكون مصورًا فوتوغرافيًا، يغرم بالعدسة، تأخذه إلى الجمال، ليبحر في دهاليزها، ويستكشف أبجديتها، ليعيد صياغتها، وكما يقال: الحاجة أم الاختراع، فقد قادته حاجته إلى الحصول على مجموعة من الصور، من أجل تصاميمه الرقمية، إلى أن يقوم بنفسه بتصويرها، لتحتضنه العدسة بكل عنفوانها، ويبحر فيها، تاركًا التصميم الرقمي وراء ظهره.

يحكي المصور الفوتوغرافي محمد علي البدراني، الذي يكمل العقد الأول في عالم التصوير قريبًا، عن تجربته الفنية لـ«القطيف اليوم»، وما سكن بين تفاصيلها، وحكاية والده – رحمه الله – ودعمه له، ليغمره بالمفاجآت التي لا تزال تشعل فانوس طموحاته.

نقطة التحول
كان “البدراني” يمارس التصميم الرقمي الذي جاء بعد مخالطته لأهل الفن في قرية الربيعية، الذين أشبعوه تشجيعًا على الدخول في هذا المجال، لتكون بدايات التصميم في زمن المنتديات، وجاء الدافع للمشاركة، وتعلم المزيد في هذا المجال.

يقول: “لم أرَ نفسي ملمًا بتفاصيل التصميم الرقمي كثيرًا، ولكن المحاولة في سن الخامسة عشرة كانت تكفي لتعليمي الأساسيات، التي لا أزال أطبقها في التصوير إلى يومنا هذا”.

ذات يوم، كان “البدراني” في حاجة إلى بعض الصور لاستخدامها في التصاميم الرقمية، ولم يجدها في الإنترنت، فكان السبيل إلى الحصول عليها هو تصويرها، فاشترى كاميرا، ولكنه انجرف مع تيار التصوير، وهذه نقطة التحول في حياته الفنية.

صورة وقدوة
كانت أول كاميرا اشتراها عام ٢٠١٠م هي Nikon D90، بمبلغ 5500 ريال، وأول صورة التقطها لبعض الزهور في حديقة منزلهم، وذلك لتجربة الكاميرا وقدرتها، فكانت المفاجأة بأن النتيجة جميلة جدًا في نظره، ومن بعدها رأى أن التصوير أجمل بكثير من التصميم الرقمي.

ويرى أن الصورة الأجمل التي التقطها بعدسته، كانت في دولة جورجيا عام ٢٠١٨م، بعنوان “راعي البقر”.

ويوضح أن قدوته في عالم التصوير، في الجانب الفني هم المصورون الأجانب لتطورهم في التصوير، ولكن الأهم، الذي يراه، هو الجانب الثقافي والأخلاقي منه، فإنه عاشق لنشر الثقافة لكونها الشرفة الأهم، فهو شغوف بالجمال، وهو الذي يجعله يستمر كمصور فوتوغرافي، ويطمح إلى التفرغ لهذا الشغف، وملاحقة الجمال ونشره.

ويخص “البدراني” الحائز على العديد من الجوائز المحلية والخليجية، ويطمح إلى الوصول للعالمية، بالذكر عددًا من الفوتوغرافيين، الذين يراهم القدوة الحسنة له، ومنهم الفوتوغرافي محمد الزاير، ومحمد الخراري، وفي تصوير الخيول الفوتوغرافي محمد الزاير، وعلي المؤمن، وفي عالم الضوء الفوتوغرافي يوسف المسعود، وفي عالم حياة الناس الفوتوغرافي هشام الحميد.

الصورة ثقافة
يقول إن الجانب الثقافي بالنسبة للمصور يأتي عن طريق الممارسة والقراءة، وهذا الجانب يطور مستوى المصور، إضافة إلى جودة الصورة.

وأكد أن أخلاقيات المصور مهمة، من خلال جانب التعامل مع البشر، واحترام ثقافاتهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم، حتى في الجوانب الأخرى، كتصوير الخيل، وعرض الصورة بالطريقة التي تناسبه، وأيضًا جانب التعامل مع المصورين، وخلق منافسة شريفة لا تحمل أي عداوة لأحد، ومشاركة المعلومات معهم، لرفع مستوى التصوير في المنطقة.

وعن أسلوبه في التقاط الصورة، ولحظة الضغط على العدسة، يبين أنه يأتي مصورًا إلى اللحظة التي يصادفها ويقتنصها، ويقول: “في التقاط الصورة، من النادر جدًا التخطيط المسبق لها”، ولكن في علاقته مع العدسة واللغة البصرية، يراها كالحكمة، ضالة الإنسان التي يأخذها أنى وجدها.

الطفولة والخيول
وعن اختياره محور تصوير الخيول، تحديدًا، ليغرم به، يذكر أن صور الخيول حصدت جوائز أكثر من صور حياة الناس، ولكنه يصنف نفسه كمصور لحياة الناس، وبالنسبة لتصويره للخيل، يرى أن الفضل يعود للمصور محمد الزاير، الذي أمسك بيده ووضعه على الجادة السليمة.

ونوه إلى أن ركوبه الخيل صغيرًا مع المربي عبد الشهيد آل فردان – خاله – في فترة الصبا، كان سببًا في قربه من عالم الخيل، وإن كانت مصادفة، وتابع: “تواجدي معه ساعدني أن أرى وأعي أهمية وقيمة الخيل بنفسي، فكان من الواجب احترام هذه القيمة وإظهار الجانب الأجمل في الخيل”.

ولفت إلى أن المصورين قد يغفلون عن هذا الجانب، لاهتمامهم الشديد بالجانب التقني “الإضاءة والتكوين وجودة الصورة”، وينسون الجانب الأهم لدى مربي الخيل، الذي يكمن في جمال الخيل نفسه.

أبتاه ستعلم
“لأبي الراقد تحت التراب، فخرك بي بعد كل إنجاز كان يسعدني، ستبقى أول من يعلم بكل التفاصيل، كما كنت في حياتك”، بهذه الكلمات يتحدث “البدراني” عن والده، مشيرًا إلى أنه لم يكن شخصية عابرة، أو زميل هواية، بل كان القلب الذي يمنحه روعة الحياة، وصوته المبحوح الذي يناديه في كل الدقائق “أبتاه ستعلم”.

يقول عن والده – رحمه الله – إنه في عام ٢٠١١م، أحرز أول فوز له خارج الوطن، في مسابقة الشيخ زايد آل نهيان، حيث طُلب منه الحضور يوم التكريم لاستلام الجائزة، حينها كانت فترة الاختبارات الدراسية، وهو في الصف الثاني الثانوي، فلم يستطع الحضور، ليبلغوه أنه يمكن أن يأتي أحد ينوب عنه، فما كان أجمل من أن يكون الأب هو من ينوب عنه، مضيفًا أنه بعد حضوره، ليبصر روعة التنظيم، واقفًا على المنصة، مكرمًا نيابة عن ولده، ليستلم الجائزة، كان يشعر بالفخر والاعتزاز، ومن سعادته بما رأى، قام بتصوير كل شيء في الحفل، وحتى التفاصيل الصغيرة، ليشعر ابنه، كأنه كان موجودًا.

وأكد أن والده من بعدها أصبح شغوفًا جدًا ومتحمسًا للتصوير، متابعًا كل خبر له علاقة بالتصوير، ليقوم بإرساله لابنه، معاتبًا إياه إذا لم يشارك في أي مسابقة، لكونه مؤمنًا به وبقدرته، ويحرص دائمًا على أن يكون في المراكز الأولى.

وذكر أنه ذات فوز، ذهب برفقته إلى دبي، وتحديدًا مدينة العين، وقال: “كان أبي سعيدًا جدًا وأنا فوق المنصة، ليكون الأبرز فرحًا والأكثر تصفيقًا بحرارة”.

وفي حديثه لـ«القطيف اليوم»، استذكر “البدراني” آخر موقف قبل رحيل والده، بأن جماعة مصوري القطيف طلبت منه إلقاء محاضرة، يتحدث فيها عن تجربته الفنية، وأثناء عرض الصور، كانت القاعة مظلمة، وبعد إنارة الضوء، أبصر ملامح أبيه، لينتابه التعجب والفخر، وحين قال المقدم: “من لديه سؤال؟”، فإذا بأبيه يرفع يديه قائلًا: “أنا أحب تشجيع ولدي، وأتمنى له الاستمرار، ويكون من أفضل المصورين”.

وأضاف: “بعد رحيل والدي، اقتنصت المركز الأول في مسابقة جازان الأدبي، التي جاءت بعنوان “العيد الوطني”، كنت في الدوام أثناء وصول خبر الفوز، وخرجت متأخرًا، وحين وصولي إلى المنزل، أبصرت وجه أمي، لفنا الصمت برهة، بادرتها سائلًا: “هل أخبرتِ أبي بأني فزت؟”، لتجيب: “نعم، أخبرته بدموع عيني، ونبضات قلبي”، وقال: “الآن يا أماه أحسست بقلبي ينبض”.

اللاجئة
وعن فوز مشروعه “اللاجئة”، في معرض جماعة القطيف “مشاريع فوتوغرافية”، عام ٢٠٢٠م، ذكر أن تصوير المشروع تم في دولة جورجيا عام ٢٠١٨م، ويتحدث بصريًا عن امرأة وحيدة، تسكن في أحد الملاجئ التي توفرها الحكومة الجورجية، بعد النزوح الإجباري من روسيا.
وبين أن هذه المرأة تقوم بالاعتناء بنفسها بعد فقدان ابنها وزوجها”، لافتًا إلى أن الأمر يزداد سوءًا كلما احتاجت لشراء الأدوية، وذلك بسبب أن الإعانة الشهرية لا تكفي مصروفها اليومي.

الإنجازات
حقق الفوتوغرافي “البدراني”، عددًا من الإنجازات المحلية والخارجية:

داخليًا
المركز الأول، مع نادي جازان الأدبي، عام ٢٠٢٠م.
فائز في معرض جماعة القطيف “مشاريع فوتوغرافية”، بمشروعه “اللاجئة”، عام ٢٠٢٠م.
المركز الثاني في معرض “وقفات”، مع جماعة “ألق”، عام ٢٠١٨م.
فائز في ثلاثة محاور في مسابقة جماعة القطيف على “إنستجرام”.
المركز الخامس في مسابقة “عز الخيل”، عام ٢٠١٨م.

خارجيًا
المركز الرابع، والثالث في مسابقة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في عامي ٢٠١١م و٢٠١٩م.
فائز في مسابقة “هيبا” على “إنستجرام”، جامعة العين ٢٠١٢م.

فائز بالمركز الثالث في مسابقة جامعة العين عام ٢٠١٣م.
المركز الثالث في مسابقة “هيبا” عام ٢٠١٨م.



error: المحتوي محمي