الجميع يعيش هذا العصر ويواجه تحديات ومتغيرات عديدة ومجتمعة؛ تجعلنا في حاجة للتزود بالقيم الأخلاقية والسلوكيات الحميدة لمواجهة الصعوبات التي تكاد تعصف بكل ما غُرس فينا من قيم ومبادئ أصيلة. والجميع هنا من واجبه الاهتمام بتنمية الأخلاق وتقويم السلوكيات والتربية الصحيحة. والمقصود هي التربية الأخلاقية وأساليب تربية الطفل على المبادئ السامية والفضائل والمشاعر الوجدانية التي يكتسبها الطفل منذ صغره ويصبح فرداً ذا شخصية متكاملة سوية متزنة. ولكن ما أهمية القيم والأخلاق في حياة أبنائنا؟ سؤال يحتاج إلى تمعن لكي نعرف تلك الأهمية وأثرها على نفوس الأبناء.
نعم تلك القيم يجب أن تنبعث من ديننا الحنيف ومن تطبيق المبادئ الإسلامية وأن يغرسها المربون في نفوس الأبناء ولنا في رسولنا قدوة تُحتذى حيث نعلم جميعاً أن من أهم ما بُعث لأجله الرسول عليه الصلاة والسلام هي الأخلاق. «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ويقسم البارئ سبحانه وتعالى في كتابة الكريم على تلك الأخلاق العالية. فيقول تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. [سورة القلم: الآية 4].
ولذلك نقول: إن الأبناء ذكوراً وإناثاً بحاجة للاهتمام وهذه الحاجة من ضرورات الحياة الاجتماعية.
إن حياة الأبناء وحسب ذاتهم وفطرتهم بحاجة إلى أن يكونوا أمناءً صادقين بعيدين عن أي نوع من الخصال السيئة كالحسد والضغينة والبذاءة وسوء الظن والازدواجية والنفاق والعدوانية كما أنهم وحسب حياتهم الاجتماعية مضطرون إلى أن يتسموا بالأخلاق ليصبح بوسعهم أن يتعايشوا مع الآخرين ويعاشروهم معاشرة لينة وأن يكونوا متحابين ويراعوا الإنسانيات وضوابط الحياة المجتمعية وأن نعمل جميعاً على توجيه الناشئة ودفعهم نحو الأعمال الحسنة والمرضية للفضائل الأخلاقية بجانب من الهدوء والعقلانية لاسيما في وقتنا الحالي الذي كثرت فيه المتغيرات والأحداث السلبية. فزماننا هذا زمن الانفتاح المجهول. ومع كثرة التقنيات والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة على مصراعيها وكثرة الثقافات والشبهات حيث أصبح الشباب والشابات يعيشون اليوم في مفترق طرق وتحت شبح وضغط هذه المتغيرات المخيفة ولكن مع اعترافنا أن هذه التقنيات لها دور إيجابي إذا ما أحسنَّا الاستفادة منها كما ينبغي ولكن وبلا شك فهي تسبب كثيراً من المشكلات الأخلاقية متى ما أطلقنا العنان لأهوائنا وجعلناها هي المتصرفة والمسيطرة في تسيير رغباتنا.
لقد أحدثت الفضائيات والشبكة العنكبوتية تغييراً مهماً للمجتمعات بما قدمته من وسائل اتصال جعلت العالم يتداخل ويتشابك مع بعضه البعض فلا حدود ولا قيود تقف في وجه انتقال المعلومات مهما كان نوعها. والتربية بحكم عملها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغير وبناء على ذلك فالمتغيرات الحادة التي ينطوي عليها عصر المعلومات وعصر التداخلات المعرفية ستحدث تغييراً كبيراً في منظومة التربية مناهجها وأساليبها وأثرها. ولذا أصبح من الأهمية بمكان مراجعة مؤسسات التربية لتتفق مع الأثر الذي ستحدثه في وقت اختلط فيه المعقول باللا معقول!
لقد أصبحت عقول وأفكار وأخلاق أبنائنا ميدان سباق وتجارب. والدعاة والمربون أحق من ينافس وأجدر من يسابق للوصول لها وحمايتها من كل خطر وانجراف عن جادة الطريق. ففي ظل هذه المتراكمات تتضاعف مسؤولية التربويين في رعاية النشء وفي إعداد جيل يحمل مبادئ الإسلام وقيمه. وفي ظل هذا الانفتاح يزداد العبء على المربين والمعنيين للوصول بالجيل الصاعد إلى بر الأمان بعد توفيق الله تعالى. فالأسرة والمدرسة مثلاً هما الأساس في بناء المجتمع والحُضن الأول للإنسان ففيهما ينشأ ويترعرع ويكتسب الابن المثل والقيم والمبادئ والأخلاق الإيجابية وهي جزء لا يتجزأ من بناء شخصية الفرد فعلى الوالدين والمعلمين والمعلمات العناية بهذا الأمر وتربية الأبناء تربية صالحة والتي تنطلق من منهج الوسطية المأمور بها والحرص على معرفة أصدقاء أبنائهم وقرنائهم وتوجيههم متى ما وجدوا ملحوظة على ذلك الصديق.
كما ينبغي كذلك مراقبة الأبناء وتوجيههم في تعاملهم مع التقنيات الحديثة مع مراعاة الأسلوب الأمثل للتعامل في ذلك وخاصة ما يسمى بـ(الإنترنت) فهو بوابة كبيرة لتبادل المعلومات والاطلاع على الثقافات وفيه الصالح والطالح والحسن والقبيح فعلى الشاب والشابة المتعاملين بهذه التقنية أن يحرصا -ما أمكن- على ألا يجعلا لأرباب الفكر الضال على عقلهما باباً بالاطلاع على مواقعهم أو كتابتهم حتى من باب الفضول فقد تقع الشبهة ويصعب تداركها وهنا يأتي دور الأبوين بشكل أساسي كما ذكرنا آنفاً ومن ثم المدرسة.
فالتعليم لابد منه في هذه الحياة ليتعلم الأبناء الصفات الحسنة والعلوم التي ترتقي به كشخص خاصة وعلى مستوى الوطن كافة.
كما يجب أيضاً عدم نسيان القرآن الكريم والاهتمام به فهو كلام الخالق -جل شأنه- والمشتمل على جميع مناحي حياتنا وفيه شفاء الصدور وبه نهتدي إلى سواء السبيل وهو الموجه الأول والأخير لسلوكنا وتوازننا وتهذيب نفوسنا والسيطرة على ذواتنا وبالتالي هو الضامن لوصولنا للرفعة وعلو الدرجات، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: الآية 9].
فطلابنا حينما يتعلمون بشكل صحيح يصلوا بعلمهم إلى آفاق عدة ويرتقوا بعلمهم لرفعة شأن وطنهم حيث عملت وزارة التعليم الموقرة على حماية الطلاب والطالبات من خلال برامج هدفها حماية النشء. منها البرنامج الوطني للطلبة (فطن) وهو برنامج أطلقته وزارة التعليم ويعد هذا البرنامج برنامجاً وطنياً يُعنى بتنمية مهارات الطلاب والطالبات الشخصية والاجتماعية ويسعى خلال رؤيته لأن يكون الأول وقائياً للمنهج السلوكي ومن أهدافه السعي للإسهام في التحصين النفسي للطلاب والطالبات من خلال ما يقدمه البرنامج لحمايتهم من الشوائب بجميع أشكالها الخطرة وما يحصل داخل المدارس من اندفاعات عدوانية في السلوك تجاه الآخر واستخدام بعض أجهزة التدخين الإلكترونية وما شابه والحذر من مصاحبة رفقاء السوء كما تتمثل أهدافه أيضاً في تعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية في إطار تعاليم الشرع المقدس وتكوين مجموعات من المتطوعين المؤهلين لدعم وتنفيذ برامج توعوية من أجل أن ينشأ جيل واعد مثقف يُعتمد عليه، همه الدفاع عن قيمه ودينه ووطنه. وبه ننمو ونرتقي لمصاف الأمم المتقدمة ونصل لما نصبو إليه ونعتلي منصات التتويج العالمية.
فالأبناء أمانة ومسؤوليتنا أمام الله -سبحانه وتعالى- ونحن محاسبون تجاههم، والدولة -رعاها الله- لم تألُ جهداً في سبيل دعم وتذليل كل الصعاب من أجل حماية أجيالنا من كل مكروه لذا يجب استغلال ذلك لنحقق الهدف المنشود.