أينما زرعكَ الله أزهر

حقيقة يعرفها كلُّ مزارع، وهي أن البذرة قبل أن تنبت تتفسخ وتتحلل وتمر بأعتى مراحلها في عملية اختزان الطاقة، شيئاً فشيئاً فإذا هي تتفجر فوقَ سطح الأرض وتتبرعم؛ ساقًا ضعيفة غضة وهزيلة فيها ورقة ثم ورقتين. وجذورها دون أن يرى المزارع تتسلل ببطء تحت التربة حتى تصبح ساقاً مستطيلة ممتلئة تسر الناظرين وتنتظر الثمر!

هذه البذور مجبولة بتكوينها على النمو والإنبات حين تتوفر لها شروط النمو، ويبقى الإنسان وحده من يستعين بالله ويعمل على النمو والإثمار – في كلِّ حال وفي أيِّ مكان – وضعه اللهُ فيه، توفرت الظروف المثالية أم لم تتوفر. ينتظر مدة طويلة ثم يحصل على وظيفة، الدخل فيها لا يكفي والمراقب فيها غير منصف، فلا بد أن يجرب ما أمكنه من التغيير والإنتاج قبل أن يتركها ويقعد عن العمل.

تلك المرأة التي انتظرها وهي انتظرته سنوات؛ بعد أن تزوجا لم تبدُ الحياة جميلة سعيدة كما توقعا، مع قليل من الجهد والصبر تتغير الأمزجة والقناعات وتتجذر المحبة، فلمَ العَجلة والانفصال؟ بيئات ومواقف كثيرة لا يحسد الإنسان حين يكون عليه عبء إصلاحها وتطويعها كما يحب، لكن هذه هي طبيعة القدر الذي يختبر ويمتحن البشر ويتغير من حالٍ إلى حال.

فإن لم ينبت الإنسان ويزهر حيث هو، فلا يلام إن قفز ليجرب قواه في النمو في مكانٍ آخر، على عكس النبات الذي لا خيرةَ له في تغيير مكانه. الفرص متاحة للإنسان والإمكانات المختلفة باختلاف المكان والزمان للخروج من الوظائف والزواج والصداقات إلى أخرى أفضل، حيث يستطيع أن ينمّي قواه وطاقاته فلعله يزهر في هذه الأرض الجديدة.

فرص التغيير والإنبات لابد أن تبدأ من الإنسان ذاته بتغيير أفكاره ومشاعره، وبتحمله هو لا غيره مسؤولية نفسه وصنع الظروف التي تحيط به. تغيير يأتي في خطة وورقة وقلم ثم يتحول إلى مشروع، فليس إلا الإنسان ذاته هو الذي يغيّر واقعَه بتغيير نفسه بإرادته ويده لا بيد غيره.

إذاً، كما تلكم البذرة احتضنتها الأرض وامتحنتها الظروف حتى أصبحت شجرةً سامقة ضاربة بجذورُها في أعماقِ الأرض، يحتضن الإنسان الحياةَ بكلِّ ما أعطاه اللهُ من طاقاتٍ وقوى فتنهزم أمامه كلُّ التحديات والصعاب. وحين يمتلئ شراعه وينتفخ بالهواء يسير ويبحر ويزهر دونَ شك.



error: المحتوي محمي