يوميات قلم «3»

الذكريات لها وقعها في ذات الإنسان، ويصدق القول، إذا ما قلنا بأنها تمثل راحة للنفس، أثناء تذكارها، أو إذا ما مرت، كالطيف في خيالنا، لبرهة من دقائق يومنا.

إن، هذه الذكريات السعيدة، تحتضن في عمقها مواقف، لا تمحوها مسافات الوقت، تظل خالدة في الذات، تأخذ التفكير إلى ضفة، تنتعش بالمتعة، والأمل، بالدعاء إلى الأشخاص، الذين سكنوا فيها، وهذا يؤثر على الإنسان، ليكون سعيدًا الآن، وغدًا.

في بطولة الأندية العربية لكرة اليد -للرجال-، التي أقيمت في مراكش المغرب عام 1993م، وفاز بلقبها الأهلي المصري، ومولودية وهران الجزائري وصيفًا، وكان فيها فريق النادي الأهلي، ممثل الوطن، جاء الإعلامي حسين كاظم، موفدًا إعلاميًا، لتغطية البطولة، وقتها، كان رئيس الاتحاد العربي لكرة اليد آنذاك محمد المطرود، ويرافقه أعضاء المجلس، ومنهم: نائبة الشيخ صباح آل خليفة من مملكة البحرين.

وكما هو معروف في الإعلام؛ أن متابعة الحدث أولًا بأول، لها أهمية كبرى، وهذا ما قام به حسين كاظم، فإنه يتواصل يوميًا، مع الجرائد، ليرسل لهم رسالة يومية، مذيلة بالصور، لتواكب المادة الصحفية الحدث الرياضي، وهنا، ماذا نفهم؟ نقرأ بين سطور هذا العمل أن الحدث، الذي يتمتع بالزمكانية -الوقت-، كلما تأخر المحرر في إرسال المادة الصحفية، أو تأخر المصور، في إرسال الصور، كلما قلت قيمتها، فالمتلقي سيقرأها في مكان آخر.

والآن، مع وجود العالم الافتراضي، والسرعة في انتشار المعلومة، في قنوات التواصل الاجتماعي، أصبح الأمر أكثر أهمية بمكان، من خلال الحصول على السبق الصحفي، ممزوجًا برقي المادة، لتخضع إلى الأسس المهنية في الكتابة الصحفية.

ذات لحظة من الوقت، كنت أصغي إليه، يحدثني عن حكاية، لايزال في انتشاء اللحظة، لتسكن ذاكرته، فلا تفارقها، يقول: أثناء البطولة، أقام المنظمون في الاتحاد المغربي حفلًا شعبيًا كبيرًا للوفود المشاركة في البطولة، وكان وقتها ليلًا، والبرد القارص، يسير سراعًا إلى عظام الجسد، ليرعشها بردًا، كطير، يرتعش جناحاه من قطرات المطر.

ذهب، مع الوفد باللباس العادي “بدلة كاملة وعليها الجاكيت”، وأقام المغاربة فلكلورًا شعبيًا كبيرًا، حاكى فيه تراث المغرب من الألف إلى الياء، واستمر لأكثر من خمس ساعات، بالإضافة إلى برنامج التكريم للوفود، والكلمات، التي ألقيت، فطال البرنامج، وامتد لأكثر من أربع ساعات، فلم يتمكن من الجلوس من شدة البرد، فأهداه محمد المطرود الجاكيت، الذي يرتديه، ثم أعطاه الشيخ صباح آل خليفة الفروة -كما نطلق عليها-، لتقيه من البرد، فواصل البرنامج، الذي انتهى تقريبًا في لحظات الفجر.

كم أنه من الجميل جدًا أن تحتضن ذكراك مواقف تتسم بالإنسانية، وأن تؤثر على نفسك في سبيل أن تبعث الدفء، لجسد أنهكه البرد، هنا، سررت كثيرًا بهذا الموقف، ليحملني لاسترجاع مواقف كانت تحتضنني دفئًا، لتشرق الابتسامة على شفتي، فإذا كنت لأشعر بالدفء فكيف الأمر بالنسبة إليه، وهو يحكي قصته، حقًا، سيشعر بالسعادة، ولو أطلت الوقوف معه، وارتشفنا، بعد القهوة، كوبًا من شاي الرمان، لما توقف، لا ألومه، فمن يمتلك ذكريات إيجابية، فإن الابتسامة، لن تفارق شفتيه، وكلما جالسته، لا تخرج من مجلسه إلا وكثيرًا من التجارب والذكريات ستنعشك لتشتهي أن تكون معه، ذات لحظة أخرى، لتصغي.

وفي الضفة الأخرى، وقبل أن أغادره، قال: أتصدق أنه قبل ذهابي للبطولة كان الكثير من أصدقاء المهنة يخيفونني بتحذيرهم “انتبه للمغرب ثمة سحر” ليعلق: “ليس كل ما يسمع ينبغي تصديقه، فقد كنت في المغرب، ولقيت كل الاحترام، والكلمة الطيبة، ولم أجد سحرًا، ولا خزعبلات”، ناصحًا أمثالي: يا أستاذ، بين الحق والباطل أربعة أصابع، فلا تصدق كل ما يقال، كانت لحظاتنا في المغرب ماتعة، وسكانها ذوو أخلاق وكرم.

ختام الحرف: إننا في حاجة فعلًا إلى ذكرياتنا الجميلة، ونستذكرها بين الفينة والأخرى، فكما أن الذكريات السلبية، توجعنا، وتكسرنا في مرآة الماضي، فإن الإيجابية، ترفع من معنوياتنا، وتحفزنا، وتحول المنغصات والآهات إلى باقة زهر، يهدهدها النسيم العبق، لنعشق مرآة الماضي، نراقصها، لنبتسم، ونحن نسرح شعرنا.



error: المحتوي محمي