ندم الشاري

دخلتَ متجراً ورأيتَ بضاعة فأعجبتك، قلبتها مرة واثنتين، عدت للمنزل وراودتك نفسكَ أن تشتريها فغالبتَها، وفي النهاية اشتريتها. كانت جميلةً رائعة حين دفعت ثمنها وأخذتها للدار. لكنك في اليومِ التالي ندمتَ على أنك اشتريتها فقررتَ أن تذهب وتعيدها للمتجر مع انبلاجِ الفجر، ويا لشدة العجب عندما نظرت في الفاتورة وجدتَ مكتوباً في ذيلها: البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل!

جزعتَ وندمتَ مع أنها سلعة لا غير! فهل تعلم أنه يوجد متجر وحيد في العالم يقيل عثراتِ المشترين ويسترد البضائعَ الخاطئة من المشترين ويعطي جوائزَ قيمة لهم ويعرفهم بعيوب البضاعة التي اشتروها، وينصحهم بالبضاعة الجيدة؟ متجر يفتح أبوابه على الدوام ويسترد البضائعَ الخاطئة دون أن يعرفَ المشترون ماذا اشترى غيرهم؛ والأغرب أن المتجر يسترد البضائع في طولِ حياة من اشتراها، وأحياناً كثيرة حتى بعد موته!

هو بكل بساطة “متجر الله” الذي يسترد كلَّ الذنوب والفاتورة هي كلمتان “تبت إليك” أو ما يوازيها من كلمات يعرف بها الله أن الشاري جزعَ وأسفَ على أنه اشترى الذنبَ بماله وصحته وإرادته؛ فهو سبحانه يعلن كلَّ صباح ومساء: تعالوا واستوهبوا خطاياكم قبل أن تموتوا، وإن أخطأتم مرةً أخرى أيضاً تعالوا، لا تجزعوا.

خطأ وسلعة واحدة فقط وهي “الشرك” لا تسترد، أما هفوات الغرور والضعف التي نتوه فيها جميعاً ثم في لحظةِ اليقظة نعثر على الله والطريق إليه ونشير بقلوبنا نحو وجهته فهو سبحانه كتبَ على نفسه المغفرةَ للعاصين والمنحرفين منا.

كلنا اشترينا ولا نزال من هذه البضائع والسلع الرديئة الخاطئة؛ وليس ذلك إلا لأننا بشر ضعفاء، وهي تعجبنا وقوة خفية تسمى الشيطان تدفعنا بكلِّ حماس أن نشتريها. لكننا بعد أن نشتريها ونندم وتثقل أرواحنا، رحمة الله سبحانه وتعالى ممدودة على طولِ الزمان والمكان وفي مفترق الطرقات تنادي العابرينَ والمارين في الحياة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”}.

لا تعيشوا في إيحاءٍ بائس بأن الوقتَ فات والعمر مضى وتجاوزتم الحدود؛ ذلك لأنكم لا تتعاملون مع إنسان، أحياناً يصفح وأحياناً يصفع، بل مع الله الذي ليس للحقدِ والضغينة والثأر مكان في قدسه وحضرته.


error: المحتوي محمي