يوميات قلم «2»

إن لكتابة العناوين أهمية كبيرة جدًا في الكتابة الصحفية، وينعطف ذلك على الكتابات الأخرى، ويأتي ليمنح القارئ، المختصر المفيد، لما يحتويه الخبر، ويتمتع بالإثارة، من خلالها يسعى إلى جذب القارئ، وفيما يُعنى بالإثارة، ثمة نقاش في دلالتها، وتأثيرها.

إن لكل شيء هدف ينشده الإنسان، وعليه، يبادر إلى نثر خطواته، ليتقن حدودها على حبات الرمال، يعانق ما يريده، فإن كان الهدف الإثارة فقط، فإن المادة الصحفية، أو المنجز الكتابي في العموم، سيفقد معناه، ويكتفي بالإثارة الوقتية، التي سرعان، ما تذروها الدقائق، لتبهت.

تنقل كلمة عن أحد الصحفيين، مفادها: إن المادة الصحفية لا تحتاج إلى مكياج، لتكون مثيرة، إن إثارتها فيما تحتويه في عمقها، وكيفية صياغتها.

يقال: الشيء، يقرأ من عنوانه، وتأتي هذه المقولة، كعلامة إيجابية، أو سلبية، تعليقًا على شيء ما، لذا، فإن العنوان، تكمن أهميته في ترجمة ما يراد قوله في المتن، وتأتي نتاج الحرفية، لتبزغ في العنوان، وهذه الحرفية، تعتمد على استيعاب الكاتب ذاته، لما يكتبه أولًا، وتفهمه، قبل القارئ، وهذا ما يُعنى بالتمكن، أن تكون متمكنًا، لا مقلدًا، أو كاتبًا، لعناوين بعيدة عن المتن، عن احتواء ما يأتي بعده، ملتزمًا بعنصر الإثارة والتشويق الإيجابي.

في مشواره الصحفي ومشاركاته، كان الصحافي حسين كاظم الجشي في نهائيات البطولة الآسيوية للناشئين لكرة القدم في تايلاند ببانكوك عام 1409هـ، تم ترشيحه لتغطية البطولة إعلاميًا، وموفدًا إعلاميًا لجميع صحف المملكة، كان الوفد السعودي برئاسة الأستاذ عبد الله فرج الصقر، ومدير المنتخب عبد الله جاسم، من نادي القادسية، وفيها حصد المنتخب السعودي كأس آسيا رغم قوة المنتخبات، وتأهل لكأس العالم في اسكتلندا، وخطف الكأس والذهب.

ما يلفت في بطولة آسيا لكرة القدم بتايلاند – بحسب ما ذكره الصحافي حسين كاظم – أنه بعد تصدر المنتخب السعودي، كانت له مباراة حاسمة، ومصيرية، مع المنتخب التايلاندي، الذي تسانده جماهيره الغفيرة، فحسمها المنتخب السعودي، وقبل إطلاق الحكم الكوري صافرته، رمت الجماهير التايلاندية الغفيرة علب المرطبات والماء، فدخل المنتخب السعودي والوفد إلى الصالة الكبرى في الملعب.

فكتب عنوان للصحف السعودية، مفاده: “ماذا جرى في بانكوك.. مباراة بعلب المرطبات وأخرى في المدرجات ولا حياة لمن تنادي”.

وتابع – حسين كاظم – ومع تدخل المسؤولين في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والتايلانديين المنظمين للحدث الآسيوي، تمكنوا من خروج الجماهير وإخلاء الملعب، ليغادر المنتخب السعودي، والبعثة لمقر السكن ببانكوك.

يلاحظ هنا، كيف استطاع – حسين كاظم – اختصار الحدث الرياضي، في بضع كلمات، بحيث أن القارئ، لو قرأ العنوان، لخرج بالفكرة، أي تعرف على ما حدث هناك بوجه عام، فقد احتوى عنوانه على ثلاثة منعطفات، وهي: مباراة بعلب المرطبات، وهي جملة، اتخذ من البلاغة سبيلًا، ليكتبها، لا تخلو من حالة التوقف عندها، لدى القارئ، ليسأل: كيف لمباراة، أن تلعب بعلب المرطبات، ويعطفها على الجماهير، مشبهًا حالتهم، كأنهم يلعبون مباراة، لينهي عنوانه بـ: ولا حياة لمن تنادي، هنا ثمة التشويق، والإثارة، تبلغ مداها الواسع، والقارئ إن وجد عنوانًا هكذا، عن مباراة رياضية، لن يغدو بعيدًا، لكنه سيقرأ المادة، إنها تثير الرغبة.

إن ثقافة العنوان، لا تنطبق فقط في العمل الصحفي، كذلك في الكتابة بألوانها المختلفة، وقد يصدق التشبيه، إذا ما أردنا التشبيه، توضيحًا وليس قاعدة، حين تعطي مخرجًا سيناريو، فإن المخرج إذا استوعب الفكرة، وانغرس فيها، وأتقن لغتها الخفية، وما هو المراد، وكيف يوصل كل هذا بصريًا، وقبل ذلك يمتلك الأدوات، التي تساعده، فإنه سينجح، ولكن إذا كان المخرج لا يمتلك الأدوات، ليس له المهارة الكافية، لقراءة ما بين السطور، التعمق في الفكرة واستيعابها، حتمًا لن ينجح في ترجمة السيناريو، وستكون النتيجة ضعيفة -لا شك في ذلك-، وإن كان السيناريو، يتمتع بالإبداع والابتكار. .

ختامًا، ينبغي للكاتب بألوان اليراع كتابة، أن يتمتع بثقافة العناوين، ليجعل من المادة المحررة، النص الكتابي الأدبي، يتوافق مضمونًا، مع المتن المحتوى”.


error: المحتوي محمي