فليس كلّ ما تحبّه أنت يصنع صحتك

هل أنت من عشاق الحلويات؟ هل تحرص على تواجدها دوماً؟ هل قررت ذات يوم أن تقلل من تناولها بعد توصية طبيبك وهو يتحدث عن تأثيرها السلبي على صحتك.

كثير هي الكلمات والمقولات التي تمر علينا، دون أن نتوقف عندها، منها “كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ” مقولة طالما سمعناها، هل توقفتم عندها؟ هل هذه المقولة صحيحة؟ هل تتفقون معها؟

تقول الكتب والآراء التي تناولت هذا الأمر: إن الأكل متعة لدى الناس، لكن ثمة اختلافاً فيما يعشقون.

كل ما نشربه أو نأكله يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين لنا، فربما يعود علينا بالنفع العام أو الكثير من الأضرار التي لم نكن نتوقعها على الإطلاق.

فالقول: “لا آكل من هذا” و”لا أحب هذا” يعود بنا إلى عهد الطفولة، نأكل الأطعمة التي نحبها دون أن نتعلّم كيف نحبها، أو نتناولها كيفما اتفق، فالشهوات والأذواق دفعت بنا إلى أمور محفوفة بالمخاطر، مخاطر رغباتنا.

عندما نقبل على الطعام، يقتصر تناولنا لبعض الأصناف، نأكل منها كمية كبيرة، بينما لا تتقبل نفسنا على أصناف أخرى، فالاعتماد على رغباتنا؛ هي ممارسة مضرة بصحتنا فقد نُحرِم من أطعمة تحوي عناصر غذائية يحتاج إليها جسمنا.

الصراع المستمر بين تناول ما يحلو لنا وصحتنا، يجعلنا نميل إلى اتخاذ قرارات تحدد مصيرنا، فنقول إن الوقت قد حان لتصحيح أخطائنا، وليس لمجرد اتباع نصائح غير قابلة للنقاش المغلفة داخل علب الأدوية، توقف رغباتنا، ونسأل: إذا كان لدينا كثير من الطرق للتأثير على رغباتنا لماذا لا نلجأ إليها إلا نادراً؟

الأمراض ليست مجرد مسألة شكل ومظهر بل هي حالة تقف وراء رغباتنا، مرتبطة بعوامل نفسية وبيئية ووراثية.

ويبقى السؤال الذي لا نعرف إجابته بصورة مؤكدة وهو هل هناك عوامل أخرى قد تكون مسؤولة عن الرغبات؟

من الأمور غير الواضحة لدى فئة من الناس هو تأثير المورثات في الرغبات أي اختيار نوع الغذاء، فهناك أشخاص يميلون إلى الأغذية الأعلى في محتواها من الدهون، وآخرون يقبلون على تناول الأغذية عالية الألياف الغذائية والمحتوية على الفيتامينات، إن من شأن هذا السلوك الغذائي أن يضاعف مشكلة تعرض الإنسان للأمراض رغم وجود قيمة غذائية عالية في أحدهما، لأن الميل نحو الرغبات بشكل عام يقود إلى الانحرافات.

إن الأشخاص الذين لا يحبون مثلاً المأكولات البحرية قد يكونون معذورين في هذا السلوك لوجود صلة بين الرغبة والمورثات التي قد تعيق الإقبال على هذه النوعية من الأغذية.

فقد تبين أن تفضيل الإنسان لمذاق معين دون آخر تتحكم فيه المورثات، رغم أن العمر والثقافة يتغلبان على مفعول الجينات، وإن كان ذلك يحدث على المدى الطويل.

إن كل شخص عاقل يجب أن يفضل صحته على أهواء ذوقه، ولا يقيم للذوق الغذائي وزناً أكثر من حقيقته، فالجمع بين متعة الطعام المتعة الزائلة ومتعة الصحة المتعة الدائمة هو هدف يؤدي إلى متعة حقيقية.

ليست الحلويات وحدها هي بطلة هذا السيناريو، الذي أصبح مألوفاً بشدة هذه الأيام، فهناك قائمة طويلة لأغذية نسمع حول تأثيرها على صحتنا، وتتكرر معها حيرتنا!

من الحقائق المعروفة أن الاستهلاك الزائد من ملح الطعام يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم لدى الأشخاص الذين لديهم حساسية من الصوديوم.

هناك دراسات أجريت لمعرفة العوامل التي تساهم في مقدار الملح المأخوذ منها العامل الموروث، فقد وجد أن الأشخاص مند طفولتهم يميلون إلى تفضيل شديد للوجبات التي تحتوي على نسبة عالية من الملح، وهذا ما يفسر حقيقة إقبال الناس على الوجبات السريعة، يفضلونها لأنها تحتوي على ملح أحادي جلوتاميت الصوديوم ” MSG ” كمعززات نكهة.

للعوامل الموروثة دور كبير في اختيار الطعام الذي نتناوله، هذه المورثات في نهاية المطاف تمثل سلوكيات البشر، فإننا سنجد منها ما هو مفيد، ومنها ما هو ضار.

عالم المورثات هو عالم له دائرة تجعل النفس تميل إلى المزيد من البحث عن مكون غذائي يعشقه.

إلى أي مدى تتداخل المورثات في سلوكياتنا؟ وكيف نستفيد من هذا العامل في تصحيح الخلل؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة بدون دعاية للوسائل الطبيعية التي لا نخفي تحمسنا لها يستحسن أن نلقي نظرة على الجانب الآخر بعيدًا عن الأدوية، ومن ثم، فإن الإجابة عن الأسئلة تجيء بدورها في صيغة سؤال ولِمَ لا؟

إذا كنت شعرت بحاجتك في مرحلة الطفولة إلى التهام المزيد من الحلوى مهما أكلت منها، فهناك احتمال أن أحد أبنائك أو أكثر سينشأ على نفس الشعور بالولع بالحلوى.

فعندما يصر الطفل على عدم تناول الخضراوات، فإن مورثاته تدفعه غالبًا إلى ذلك السلوك، ولكن الأمل معقود أن يحب الخضراوات في المستقبل، شريطة أن تتغلب المؤثرات البيئية على تركيبته الوراثية الطبيعية.

وقد توصلت دراسات حديثة إلى أن الصنف الوراثي المعروف بالرقم ( TAS2R38) يعمل على إنشاء مستقبلات للمذاق المر على اللسان، وعند مقارنة ميول المذاق عند الأمهات والأطفال، ظهر أنه حتى مع وجود تشابه في المورثات بين الأطفال والأمهات فإن الأطفال يكونون أكثر حساسية نحو المذاق المر من أمهاتهم، وهو ما يدل على أن بعض التغيرات تنشأ مع النمو.

لعل هذه النتائج التي توصلت إليها الدراسة ونشرتها مجلة طب الأطفال، تفسر المشادات التي تحدث بين الأمهات وأطفالهن عندما يحاولن إطعامهم غذاء صحيًا، لكن ذلك لا يعني أن نترك الأطفال لميولهم، وإنما ينبغي تعريضهم لطعام صحي بالتدريج حتى يتعودوا عليه مثل تعريض الأطفال للخضراوات في الصغر حتى يتعودوا عليها ويتغلبوا تدريجيًا على ميلهم الطبيعي للحلو.

هل لشخصيتك أثر على تغذيتك؟
ربما! وهذا ما تقول به الدراسات النفسية.

هناك علاقة وثيقة بين نوع المأكولات المفضلة لدى بعض الناس وأنماط شخصياتهم، فإذا كنت من محبي اللحوم الحمراء فهذا يعني قوة شخصيتك وقدرتك على مواجهة المواقف المختلفة بشجاعة دون تردد، أما من يحبون البيتزا والمكرونة فهم عادة شخصيات اجتماعية ولا تفضل الانطواء، بينما من يفضلون الشوكولاتة الداكنة الخالية من الحليب هم أكثر ميلاً للسعادة، على عكس من يفضلون أكل الحلويات فهم يشعرون بالكآبة، ومحبو الآيس كريم هم أشخاص يعانون من التوتر، ودائماً يبحث محبو المرق والشوربات عن التميز والاختلاف، كما يمتاز محبو المأكولات البحرية بأنواعها بميلهم للعيش في سلام وهدوء، أما محبو الدجاج فهم شخصيات تفضل التمسك بالعادات والتقاليد وإن كانت شخصيات روتينية في اتخاد القرارات، كما أن الأشخاص الذين يفضلون الفلفل والبهارات والمخللات دائماً ما يخافون المجهول.

لتستحضر وعيك في عملية تناول الطعام، مما يجعل لديك الإرادة في اختيار نوعيات الأطعمة وتناولها بالكمية المسموحة لك، ونستبعد كل ما يصيبك بالضرر، فليس كل ما تحبه أنت يصنع صحتك.

وأخيراً، إن الأطباء واختصاصيي علم التغذية يعرفون الآن تأثير الغذاء في الجسم، ولا يهتمون بالمثل السائر: “كُلِّ مَا تَشْتَهِي نَفْسُكَ”.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.


error: المحتوي محمي