التكافل الاجتماعي

جاء القرآن الكريم بالكثير من الآيات التي تحث على التراحم والتكافل الاجتماعي، وأولى ذلك عناية كبيرة جدًا. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. سورة المائدة الآية {٢}.

ومنذ تأسيس المجتمع المسلم بعد الهجرة النبوية الشريفة كان التكافل الاجتماعي، والترابط والتشارك في كل شيء هما الأساس في تكوين وبناء المجتمع في بوتقة واحدة. أما مصطلح التكافل الاجتماعي – بمفهومه الحديث- فيُقصد به: تلاحم وتعاون أفراد المجتمع على المصالح المشتركة فيما بينهم، وأن يكونوا يدًا واحدة ضد المعوقات الفردية والجماعية التي قد تعترض طريقهم، ويتّحدوا على دفع الضرر عن الجميع، والوقوف على كل ما يواجه أفراد المجتمع الواحد من مساعدة للمحتاج وإغاثة للملهوف وحماية للضعيف وتكريم من يستحق التكريم والنظر إلى كل من لديه حاجة خاصة مثل اليتامى والمحرومين. وكذلك الوقوف إلى جانب بعضهم البعض في دفع المظالم وتسوية الخلافات وتقريب وجهات النظر.

ومن أهم آثار التكافل الاجتماعي أنها تصون نفس الفرد وتجعله يشعر بالراحة والطمأنينة وعزة النفس كما تزيد ثقته بنفسه لأنه يجد التقدير والدعم من الآخرين واللذين يدفعانه بدورهما إلى التقدير الذاتي وهذا أيضًا ينعكس على أفراد المجتمع كافة فيصبح أكثر تعاونًا وتماسكًا واستقرارًا وله طاقة أكبر على مجابهة كل ما يعترض طريقه ويسهم في إنهاء الضرر وسد حاجيات الناس وزيادة أواصر الألفة والمحبة والوفاق فيما بين أفراده وهذا ما يرفع نسبة التميز والعطاء وينعكس على زيادة الإنتاجية الفردية والجماعية بشكل عام، كما يعزز المواهب وينميها ويفجر الطاقات الإبداعية السليمة.

ولا يمكن للتكافل الاجتماعي أن يقتصر على صورة واحدة فقط فهناك عدة أشكال للتكافل الاجتماعي منها المادي كمساعدة المحتاج والسعي لقضاء الدين وكفالة من لا معيل له والوقوف بجانب من تعرض لمصائب وخسائر مادية أو قد يكون معنويًا من خلال تحفيز وتشجيع الآخرين وتطوير بعضهم بعضًا والاستفادة من الخبرات المحلية لخدمة الأفراد فمن أهم خصائص المجتمع أنه يحتوي على تنوع كبير وبالتالي تتنوع فيه الخبرات ويسهم تبادل هذه الخبرات في تدعيم مقدرة المجتمع بمجمله وجعله أكثر استعدادًا لمواجهة العقبات والمشكلات الاجتماعية. كما يمكن للتكافل أن يكون أحد وسائل توزيع المسؤوليات على الطاقات الطموحة والفاعلة من الشباب والشابات لدفعهم أن يكونوا منخرطين في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية وغيرها وأن ندفع بهذا الاتجاه لنصل إلى قاعدة وأساس قوي لصقل أكبر عدد ممكن من الأبناء المؤهلين والمتزنين القادرين على تبوء مراكز قيادية اجتماعية وتربوية ليساهموا في دفع عجلة التقدم والازدهار في جميع مناطق مملكتنا الغالية وهذا واجب شرعي وأخلاقي وملزم على كل المواطنين من رجال ونساء لحفظ بلادنا المقدسة بلاد الحرمين الشريفين ولاسيما أن الدعم الحكومي في هذا المجال كبير ولا حصر له والدولة – حماها الله- لم تألُ جهدًا في إنشاء دور الرعاية والجمعيات الخيرية في جميع مناطق المملكة؛ ولكن يجب على الجميع المشاركة في بناء الوطن وهذا من حسن الإيمان بلا ريب. ومجتمعنا السعودي عرف عنه – ولله الحمد- أنه مجتمع معطاء ويتصف بالبذل والكرم والمبادرة وهذا واضح جلي للقاصي والداني. ونذكر هنا الأعيان والوجهاء ورجال الأعمال وذوي الخبرة والرأي فهؤلاء تقع على عاتقهم بالدرجة الأولى مسؤولية حماية المجتمع وحل مشاكله فمنهم تبدأ مبادرات التكافل الاجتماعي والتي تبحث عن المشكلات في المجتمعات وتحاول حلها وتخطيها لينعم أفراده بالأمان وراحة البال ولذلك توجه الأمر الرباني لهذه الأمَّة بأن يتكون منها جماعة ممن ينتهجون طريق الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ سورة آل عمران الآية {104}.

إن المجتمع بكل فئاته وتوجهاته المختلفة مسؤول عن تحقيق التكافل الذي أمر به سبحانه وتعالى. وإن من تمام الإيمان بالله وكماله أن يحب كل مؤمن لأخيه المؤمن من الخير والمعروف والرخاء ما يحب لنفسه مما يوثق بنيان الأخوة الاجتماعية ويدعم ترابط المجتمع ليصبح مجتمعًا متماسكًا متعاونًا. فهنا نجد أن قضاء حوائج الآخرين وخاصة تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم تكون بمثابة درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب العظيم. لأنها عامل من عوامل صون كرامة المؤمن وحفظ ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة وبصورة راقية محترمة بغير مِنة على المحتاج وهذه توصية حضارية وأخلاقية وشرعية ملحة وفي غاية الأهمية. وبالتالي يسود المجتمع الهدوء النفسي والألفة بين جميع مكوناته وينتج بعدها طاقات بشرية من الجيل الصاعد يكون داعمًا وسندًا لمسيرة البلاد من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه وفي جميع المجالات قاطبة لنحقق في نهاية المطاف رفعة وعزة بلدنا الغالي.

حفظ الله شعبنا وقيادتنا ورايتنا الخضراء دوم،ا ترفرف في سماء الخلد خفاقة.


error: المحتوي محمي